كافة الحقوق محفوظة © 2021.
محمد عساف في “روابي”.. ملأ “المكان” برمزية “المكانة”
كتب: أنس صلاح
سراب – قال محمود درويش يوما، في سياق قصيدته “مغني الدم”.. “الذي مات هو القاتل يا قيثارتي.. ومغنيك إنتصر”، في مشهدية ذات أبعاد رمزية حضارية، تجسد دون مغالاة او إدعاء، إنتصار “الضحية” على الجلاد، وصاحب الحق على المعتدي، إنسانياً وأخلاقياً..
على قاعدة هذا المفهوم، ومن تلك المدرسة الحضارية التي أرسى دعائمها درويش، على إمتداد سنوات طويلة من مسيرة النضال الفلسطيني، برز الفنان الرائع اللامع محمد عساف ليحظى بمكانة “آخر العنقود” بين من إنتموا إلى هذه المدرسة، التي تؤمن أن في “القصيدة، والأغنية، وريشة الرسام، ومبضع الجراح”، وجهاً مرادفاً في دروب النضال في مواجهة المحتل ودحض فكرته، من أجل نيل حرية الأرض والإنسان على السواء..
هو ذات المعنى، تجلّى مجدداً في أجواء حفل “روابي”، الذي أحياه النجم الفلسطيني محمد عساف على أرض فلسطين الحبيبة في أمسية الجمعة، حيث زحفت الآلاف المؤلفة من كافة المدن والقرى الفلسطينية لحضور الحفل، أو بمعنى أدق للتأكيد وعبر صوت محمد عساف على حقيقة أن الإحتلال الجاثم على صدر “الأرض والإنسان” في فلسطين، لن يسلب الإنسان الفلسطيني حقه في التعبير عن تشبثه في الحياة، وان الإحتلال لن يقو على طمس هويته وتراثه الإنساني، أو يثنيه عن التغني بالشهداء والتذكير الدائم بالأسرى، تلك العناوين التي تختصرتها أغنية (علّي الكوفيّة)، ولن يحول دون تمكينه من توحيد (جغرافية أرضه) غناءا، كما هو المضمون في أغنية (يا طير الطاير)، العابرة للمدن الفلسطينية من غزة، مرورا بالقدس ورام الله، إلى عكا وحيفا ويافا.
وفي السياق الفني، كان عساف كعادته حاضرا بطلته الآسرة، ورشاقة صوته العذب، ومنح الجزء الأكبر من الحفل للأغاني الوطنية والتراثية الشعبية (أنا دمي فلسطيني، والدحية، وأغاني الدبكة)، وجزءا للون الرومانسي (لوين بروح، مكانك خالي، بصراحة.. وغيرها).
واللافت، أن الجمهور الذي ملأ مدرجات مسرح روابي (20 ألفا حسب عساف)، أمضى السهرة وقوفا على الأقدام، متفاعلا مع كافة الأغاني التي صدح بها صوت عساف، وأن الجمهور الذي ضم نسبة واسعة من كبار السن، جاء ليؤكد أن عساف ليس مجرد فنان ذو صوت شجي، وصاحب مكانة متقدمة على ساحة الغناء العربية، بل بات “أيقونة” فلسطينية، وعنوانا للوحدة الوطنية.