كافة الحقوق محفوظة © 2021.
طارق الديري : “وباء كورونا” هل يعتبر قوة قاهرة لفسخ العقود الملزمة لجانبين ؟
في ظل الظروف التي يمر بها العالم جراء تفشي وباء كورونا في الأردن قامت السلطات الأردنية – على غرار العديد من الدول الاخرى – باتخاذ عدة اجراءات وقائية لمواجهة هذا الوباء .
تدرجت هذه الاجراءات من اعلان تعطيل المدارس والجامعات ، الى اعلان تعطيل ءمؤسسات الدولة والدوائر الحكومية والقطاع الخاص ، ثم اعلان العمل بقانون الدفاع الذي صدر بموجبه قراري دفاع الأول يقضي بوقف العمل ببعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي و الثاني يقضي بحظر التجول حتى اشعار اخر .
وفي مثل هذه الظروف وما تتبعها من اجراءات احترازية وغيرها تثار عدّة نقاط قانونية لعلّ اهمها ما يتعلق بمصير العقود الملزمة لجانبين التي تم ابرامها قبل اتخاذ تلك الاجراءات ، خاصةً فيما يتعلق بالطرف الذي يتطلب تنفيذ التزامه ضرورة مراجعة الدوائر والمؤسسات الرسمية والحكومية او الخاصة، وبمعنى آخر الشخص الذي لا يمكن له تنفيذ العقد الا بعد مراجعته لتلك الدوائر فيتأخر بتنفيذ التزامه ، وفي بعض الاحيان قد يترتب على هذا التأخير شروط جزائية او غرامات تأخير متفق عليها في العقد ، فما هو الجزاء القانوني المترتب في مثل هذه الحالة ؟ و ما هي صلاحية الطرف الاخر باتخاذ اجراءات قانونية بحق الطرف المتأخر ؟
حقيقةً فان القانون المدني الأردني تحدث عن حالة “القوة القاهرة” في المادة 247 منه التي قضت بأن اثر القوة القاهرة على العقود الملزمة لجانبين هو انقضاء الالتزام المقابل و اعتبار العقد مفسوخا من تلقاء نفسه .
الا ان القوة القاهرة التي اشار اليها القانون تشترط توافر ثلاثة شروط لاعمال هذا الحكم وهي وجود ظرف لا يمكن توقعه ، ولا يمكن دفعه ، و يجعل من تنفيذ الالتزام مستحيلا .
وعند اسقاط حكم القانون على الاجراءات التي اتخذتها الحكومة من اغلاق للمؤسسات والدوائر الحكومية والخاصة نجد بأنها تشكل ظرفاً غير متوقع ، ولا يمكن دفعه كونه من قرارات السلطة التنفيذية المستندة الى قانون الدفاع والتي تعد من أعمال السيادة التي لا يمكن الطعن بها ، و تجعل من تنفيذ بعض الالتزامات مستحيلة وهي الالتزامات المرتبطة بمراجعة المؤسسات التي تم تعطيل أعمالها ، وبالتالي فيمكن اعتبارها من قبيل القوة القاهرة الموجبة لفسخ العقود فسخاً قانونيا ( اي بحكم القانون ) .
بالمقابل ، فان بعض الالتزامات لا يمكن التمسك بمواجهتها بالقوة القاهرة كذريعة لعدم تنفيذها ، وذلك لعدم انطباق الشروط آنفة الذكر عليها ، وذلك على النحو التالي :
اولا : فقدان شرط استحالة تنفيذ الالتزام ، ففي الالتزامات التي لم تصبح مستحيلة التنفيذ بسبب أوامر الدفاع أو الاجراءات الحكومية الوقائية من الوباء مثل الالتزام بتزويد البضائع التي يتم تصنيعها منزلياً كالأعمال اليدوية ، فهذه الأعمال ليست متعلقة بمراجعة أي مؤسسة تم تعليق أعمالها فلا تنطبق عليها حكم القوة القاهرة الا اذا تعلقت عملية التصنيع بإحدى الاجراءات الاخرى المرتبطة بظرف الاغلاق الكلي للمحال التجارية .
اما الحالة الثانية من حالات فقدان احدى شروط القوة القاهرة هي اذا كانت هذه الظروف المتعلقة باغلاق المؤسسات وحظر التجول متوقعة ، حيث أن التصريحات الرسمية قد اشارت بأن حظر التجول أًصبح على طاولة النقاش في مجلس الوزراء قبل يومين من اعلانه و كذلك الأمر فيما يتعلق باعلان العمل بقانون الدفاع ، وعليه فإن العقود الملزمة لجانبين التي قد أبرمت بعد هذه التحذيرات والتصريحات الرسمية من قبل الحكومة تجعل عدم تنفيذ الالتزام متوقعاً وبالتالي ينتفي شرط عدم توقعها ولا يتم اعمال حكم القوة القاهرة عليها .
اما الحالة الثالثة فهي حالة اذا ما أصبح الالتزام مرهق التنفيذ وليس مستحيلا ، كأن تؤدي الظروف وتبعات فايروس كورونا الى رفع قيمة المبالغ التي سيتكبدها أحد الأطراف لتنفيذ التزامه ، فهنا لا تنطبق أحكام القوة القاهرة بل تنطبق أحكام الظروف الطارئة التي تحدث عنها القانون المدني الأردني في المادة 205 والتي تعطي الحق للمحكمة بأن ترد الالتزام المرهق الى الحد المعقول .
وبعد هذا الشرح المبسط قد يتساءل القارئ عن الاثار المترتبة على توافر القوة القاهرة وكيفية فسخ هذا العقد الذي اثرت عليه القوة القاهرة ، بالاضافة الى ما يمكن ان يتبعه كل طرف في سبيل فسخه ، وهنا نود ان نشير الى عدة نقاط من الممكن استنتاجها من نص المادة 247 من القانون المدني الأردني والتي تنص على انه :
” في العقود الملزمة للجانبين اذا طرأت قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا انقضى معه الالتزام المقابل له وانفسخ العقد من تلقاء نفسه “
وعليه فان الأثر المترتب على الالتزامات التي توافرت فيها شروط القوة القاهرة هو انفساخ العقد وهنا لا بد من التنويه أن مصطلح انفساخ العقد الوارد في نص المادة يعني أن العقد ينفسخ بحكم القانون (فسخ قانوني) دون الحاجة لصدور قرار قضائي بذلك (فسخ قضائي) ولا حتى اتفاق الأطراف على ذلك الفسخ (فسخ اتفاقي او اقالة العقد) .
أما عن حق الطرف الاخر بالمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي اصابه من الطرف الذي تقررت القوة القاهرة لمصلحته فالجواب لا يحق له ذلك ، كون حق التعويض الضرر الناشئ عن عدم تنفيذ الالتزام في العقود الملزمة لجانبين قررها القانون في حال عدم تنفيذ الالتزام بسوء نية ، او عدم تنفيذه بشكل طوعي دون وجود القوة القاهرة و هذا ما نصت عليه المادة 246\2 من القانون المدني التي نصت على انه ” ويجوز للمحكمة ان تلزم المدين بالتنفيذ للحال او تنظره الى اجل مسمى ولها ان تقضي بالفسخ وبالتعويض في كل حال ان كان له مقتضى ” .
هذا حكم القانون واجتهادي المتواضع اضعه بين ايديكم لتوضيح مصير العقود و حالة عدم الوفاء بها اثناء مدة حظر التجوال والحجر المنزلي ، حمى الله الأردن و عموم بلاد العالم من هذه الوباء الذي يهدد صحة البشرية .
ولكم جميعا السلامة