كافة الحقوق محفوظة © 2021.
“شهادة وَجَبَت” بقلم أ. د. فايز خصاونه
بداية أنا لا أعرف معالي الوزير إبراهيم شحاحدة شخصيا، ولا أعرف الكثيرين من طواقم الوزارة الحاليين. ولأني أظن نفسي من العارفين في شؤون وهموم هذا القطاع اليتيم ليس بحكم تخصصي فقط ولكن أيضا بحكم ممارستي العملية، ولأنه يسوءني ما لحق بمعاليه وبطواقم وزارته من غمز ولمز فقد شعرت أنه من واجبي أن أدلي بهذه المداخلة.
وأبدأ باستعراض بعض السلاسل الإنتاجية supply chains التي تضع الطعام على مآدبنا مثل الخضار والفواكه واللحوم والألبان وغيرها. لقد انحصرت ذهنية المستهلك الأردني بأن الأمر يقتصر على أن تسمح الحكومة للناس أن يصلوا بقالة الحي ومخبزه ولم نفكر كثيرا في من يزود البقالة والمخبز بالحاجات التي نطلبها ولا بكيف يتزودون بها.
يتطلب تزويد البقالة بلحم الدجاج على سبيل المثال سلسلة طويلة متصلة إذا انقطعت حلقة واحدة تنقطع السلسلة كلها ونفتقد الدجاج. الدجاج اللاحم يبدأ بإنتاج بيض التفريخ في مزارع متخصصة يجب حكما أن تكون بعيدة ومعزولة لوقايتها من الأمراض، وهي عملية متتابعة لا تتوقف وإن توقفت لأي سبب فإن ذلك سينعكس على توفر الصيصان واللحوم لاحقا. وعندما يفقس الصوص يجب أن ينقل إلى مزارع تربية الدجاج اللاحم وهي أيضا مزارع منفصلة متباعدة ومملوكة لأطراف مختلفة. وهناك يحتاج الصوص إلى أعلاف ومطاعيم، فمن يزود تلك المزارع بها. وبعد ٦ إلى ٨ أسابيع يصبح الصوص جاهزا للذبح فمن ينقله إلى المسلخ. وبعد ذبحه وتنظيفه ينقل إلى موزع الجملة ثم موزع المفرق الذي يزود بقالات الأحياء.
ثم لا أنسى أن بعض هذه اللحوم تذهب إلى مصانع متخصصة لإنتاج اللحوم المصنعة مثل المرتديللا وغيرها وهي مصانع لا تحتمل التوقف. وكل حلقة من هذه السلسلة لها سلسلة فرعية يجب أن تبقى متصلة. فالأعلاف معظمها مستورد ويجب أن تنقل من العقبة وكذلك الأدوية والمطاعيم. والفقاسات بحاجة لمن يشغلها والمسلخ بحاجة إلى الأيدي العاملة وهكذا.
وقس على ذلك طبق البيض. حيث الدجاجة البياضة التي ستنتج لنا البيض بعد عشرة شهور من الآن يجب علينا أن نحصل على الصوص الذي سنربيه ليصبح الدجاجة التي ستبيض لنا مستقبلا الآن.
وليسمح لي القارئ باستعراض مثال آخر وأن أختار قطاع الألبان والأجبان وذلك لغرض سأوضحه لاحقا. حيث أن كيلو الجبنة أو لتر الحليب الذي نتناوله من بقالة الحي ما هو إلا نهاية سلسلة رئيسة ومجموعة سلاسل فرعية سبقت. ولا تبدأ هذه السلسلة بالبقرة الحلوب التي تحتاج إلى من يرعاها ويزودها بالعلف ويحلبها في مواعيد محددة لا تحتمل التأخير بل تسبقها مراحل لتوفير كل ما تحتاجه هذه البقرة ولكم التفكر في ذلك. وهذا الحليب يجب أن ينقل إلى مصانع مختصة لتعقيمه ومعاملته وإنتاج مختلف أصنافه (الطازج وطويل الأمد وكامل الدسم وقليل الدسم ومنزوع الدسم) وتعبئته وتبريده وتوزيعه. وأعتذر عن الإسهاب ولكنه مقصود لتوضيح ما أنا ذاهب إليه. وعليه أذكر أيضا الحليب الذي يذهب إلى صناعة الأجبان على اختلاف أنواعها.
والآن أذكر بمزارع حمودة علما بأنه لا تربطني أي علاقة من أي نوع لا بمزارع حمودة ولا بمالكيها. ولكن مزارع حمودة تختص بإنتاج لحوم الدواجن والبيض والألبان والأجبان. أنا لم أفاجأ بأنهم حصلوا على ٤٧٠
تصريح بل تفاجأت بأن العدد كان فقط ٤٧٠.
وأمثلة القطاع الزراعي كثيرة ومتشعبة وهي عبارة عن سلاسل إنتاجية متداخلة فإن كيلو البندورة الذي سنأكله بعد ١٠٠ يوم يجب على المزارع أن يكون قد رتب مسبقا لأن يذهب إلى بائع البذور ليشتري بذور الصنف المقاوم للأمراض ويدفع ١٠٠ دينار ثمن عشرة غرامات من البذور (وهذا رقم حقيقي ولا مبالغة فيه) لينقل هذه البذور إلى المشتل ومعظم المشاتل في الغور لتكون جاهزة الآن للزراعة، وعليه أن ينقلها لمزرعته في مناطق الشفا وهناك سيحتاج الآن إلى أيدي عاملة كثيرة ليزرعها في موعدها. وتستمر هذه السلسلة إلى أن يأتي وقت القطاف والتسويق.
لقد سقت هذه الأمثلة وهي محدودة على صنفين فقط لأبين أن معظمنا عندما تفاجأ بأرقام التصاريح الممنوحة نسي أن علينا أن نثني على جهود طواقم الوزارة في المركز وفي المديريات فقد قاموا بجهد جبار يجب علينا جميعا أن نقدره ونثمنه قبل أن نسارع في الغمز بهم وبإنجازاتهم فقط من هول الأرقام. فهذا
هو قطاع الزراعة كما هو دون رتوش.
ويجب أن يفهم كلامي على أنه ليس تبريرا لأي مخالفة ارتكبت.
إني أحيي معالي الوزير الشحاحدة وأحيي موقفه النبيل تجاه مرؤوسيه فقد عملوا واجتهدوا فإن أخطأ أحدهم فله أجر واحد ولكنه يبقى أفضل ممن لم يعمل فلم يخطئ. ولنتذكر جميعا ما حثنا عليه ديننا الحنيف بأن نتبين أن لا نصيب قوما بجهالة فنصبح على ما فعلنا نادمين. وإلى كل من غمز ولمز أقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
حمى الله الأردن أرضا وشعبا وحكومة ونظاما والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.