كافة الحقوق محفوظة © 2021.
“الظاهر المستتر” بقلم فراس بشارة طعامنة
“موهبتي” بيت التراث والفنون
من خالط النّاس كثيراً كان على موعدٍ مع وجوهٍ عِدّة , في ملامحِ كلٍّ منها تسكُن قصصٌ و تجاربٌ عاشها أصحابُ الوجوهِ منذ زمنٍ قد مَضى , و إجتمعت مشاهد الأمس في لوحةٍ صامتة رُسِمَت على وجوهِ الحاضِر , بريشةِ شاهدٍ رافَقَ الوجوهَ في كلّ مراحلِ الحياةِ و أسفارها
من الوجوه ما ارتسم على ملامحها علاماتٍ من القسّوة تُنبِئ عن صلابةٍ سَكنت قلوبَ أصحابها و سارُوا بيننا بقصصٍ نَجهُل تفاصيلها, كانت قد كُتِبَت على ملامحهِم بلغةٍ يدركون وحدَهُم معناها , دفعت بهِم ليُكمِلوا مشوار حياتهم بشخصياتٍ غامضة حازمة , حتّى غلب على ظنّنا أنهم فقراءَ شُعور , و أنَّ وِصالَهم أمرٌ صَعبٌ الوُصولُ إليه , يوم إعتقدنا أنّ الطّيبةَ لم تجِد لها في قلوبهم موطِناً و مُتّسعاً , فنَهجُر وِصَالهُم و نَنأى بأنفُسِنا بعيداً عنهم .
و لكنّا قد نكتشف أنّ خَلف الوجوهِ القاسية يسكُن كثيرٌ من الطّيبةِ و المودّة , كان أصحابها قد آثروا الإحتفاظ بها في مَخبأ آمن فلا تُتاح فرصةُ رؤيتها لأيّ أحدّ , و سَنَعلَم أنّ إقترابنا منهم بِلِين المُعاملة و رِفق الكلام سيمنَحُنا تصريحَ دخولٍ لمساحاتٍ جميلةٍ تحمل كمّاً لطيفاً من دفئ المشاعر و رقيّاً في التّعامل الإنسانيّ , كان قد حجب عن الظهور خلفَ جدرانٍ من الحيطةِ و الحَذَر , نَصَبَها أصحاب الوجوه طواعيةً يومَ غابَ عَنهُم الشّعور بالأمان , و سَنُدرِك أنّهم قَد غلّفوا قلوبهم بقشورٍ صلبةٍ تؤلمهم صُبحَ مساء ; ليُكمِلوا بها مشوارَ الحياةِ الطّويل , سُرعانِ ما تذوب و تتلاشى إن شَعَرَت أنّها في حضرةِ مَن يستحقّ مُجالسة قلوبِهم و يَحظى بِطِيبِ وِصَالها .
و سُندرِك حينها أنّه كانَ علينا أن نمنَح الوجوه فُرصَةً لتعبِّر عمّا غابَ عنّا مشاهدته , و أنّ التّسرّع في قراءتِها في كثيرٍ من الأحيان قد يَحرِمنا فُرصةَ اللّقاء بأشخاصٍ يَحمِلونَ في داخِلِهم أخلاقاً إنسانيةً و نقاءاَ في السّريرة تُضاهي تلك التي إرتَسَمَت على وجوهٍ أُخرى حَمَلَت في ظاهِرِها طِيبةً و محبّةً زائِفة , و أخفَت في داخِلِها كثيراً من المَكر و الخِداع .