روسيا مرة أخرى تحت العقوبات الغربية – الآن فيما يتعلق بالرياضة

 المهندس فادي أسحاقات

        في ديسمبر الماضي ، نشرت محكمة التحكيم الرياضية (CAS) قرارًا مثيرًا في قضية الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (WADA) ضد الرياضيين الروس. ولأول مرة في التاريخ ، طبقت المحكمة عقوبة شديدة على الفريق الأولمبي الروسي بأكمله (في الواقع على البلد بأكمله) ، حيث تم حظره و لمدة عامين (حتى ديسمبر 2022) من المشاركة في الألعاب الأولمبية وأولمبياد المعاقين وبطولات العالم تحت علم الدولة الخاص ، بالإضافة إلى حظر إقامة مسابقات دولية كبرى في الدولة

        كان من أهم أسباب هذا القرار أن الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات قد حددت حقيقة إجراء تغييرات على قاعدة البيانات الإلكترونية “LIMS” (نظام مراقبة المنشطات) بواسطة مختبر موسكو لمكافحة المنشطات ، ونفت السلطات الروسية بشكل قاطع أي تدخل من قبل المسؤولين الحكوميين في النظام. وخلصت سلطات التحقيق الروسية الى أن الخبراء الطبيين مذنبين فعلا و ذلك بسبب تلاعبهم باختبارات المنشطات ، وثبت بأنهم قاموا بهذا العمل من منطلق أناني خاص و لأسباب شخصية ، وحاولوا ابتزاز الرياضيين مقابل إخفاء نتائج الاختبارات الإيجابية. لم يرض هذا العمل الذي قامت به موسكو قيادة الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات ، وبالتالي قررت المنظمة الدولية فرض عقوبات على جميع الرياضيين الروس وتحقيق تقنين لهذا القرار من خلال المحاكم.

        لأول مرة في تاريخ الرياضة العالمية ، يتم تطبيق عقوبة جماعية على تصرفات المسؤولين الفاسدين في نظام الطب الرياضي. حتى أولئك الرياضيين الذين لم يسبق لهم أبدا تعاطي المنشطات تأثروا بهذا القرار ، مما أثر سلبًا على معنوياتهم وعلى تطور النخب الرياضية. وأصبح “الرياضيون المهنييون” رهائن لقرار قاس غير معقول يمكن أن يؤثر على حياتهم المهنية في المستقبل. أما الان ، فيُحظر على الرياضيين من الاتحاد الروسي رفع أعلام وشعارات النبالة والرموز الوطنية الأخرى للدولة (الحالية أو السابقة) ، ولا يمكن سماع نشيد الاتحاد الروسي ولا يمكن تأديته في ساحات المنافسة وحفلات توزيع الجوائز.

        وينطبق هذا القرار أيضًا على كل الرموز الوطنية كتلك التي تخص شعوب شمال القوقاز – فعلى سبيل المثال – لن يتمكن الرياضيون الشركس من رفع العلم الشركسي ، والذي نشهده بانتظام يحسد عليه في المسابقات الدولية الكبرى والذي هو رمز للوحدة الشركسية. لكن هذا القرار لا ينطبق على المشجعين أو الرياضيين الشركس من البلدان الأخرى ، الذين ، كدليل على التضامن ، على استعداد لدعم إخوانهم في الوطن الأم.

        الآن ، يجب على أي رياضي من الاتحاد الروسي ، بغض النظر عن درجة الذنب أو عدم وجوده أصلا ، أن يذهب إلى دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو عام 2021 والصين في عام 2022 باعتباره “شخصًا مشبوهًا” ضمن مسمى “رياضي محايد” فهذا ما سيتم كتابته على لباسه الرياضي. وستكون هذة الكتابات واضحة على الزي الرياضي الرسمي. وفي الوقت نفسه ، للحصول على هذه الحالة ” رياضي محايد” ، سيحتاج الرياضي إلى الخضوع لإجراءات قبول خاصة.

        في الوقت الراهن ، جعلت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات قبول الرياضيين من الاتحاد الروسي “النظيفين وغير المتورطين في فضائح المنشطات” في المسابقات الدولية أمرًا صعبًا قدر الإمكان. حيث أنه ، يمكن استبعاد أي رياضي لأدنى انتهاكات كالخطأ في إجراء الاختبار أو أخطاء في ملء النماذج و الطلبات. ومع ذلك ، لا تنطبق مثل هذه العقوبات على الفرق الوطنية الأخرى ، حيث يتم اكتشاف حالات تعاطي للمنشطات بانتظام ملحوظ و خطير.

        بشكل عام ، هناك حقيقة لافتة للنظر تتحدث عن النهج الانتقائي لـ WADA لقبول الرياضيين الروس. في عام 2018 ، قضت محكمة التحكيم الرياضية بقبول طلبات الاستئناف المقدمة بحق 28 رياضيا من الاتحاد الروسي ، وتم اقصاؤهم من الألعاب الأولمبية وذلك بسبب انتهاك قواعد مكافحة المنشطات ، والتي سجلتها الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات. و عند اعادة النظر بالنتائج التي توصلت اليها المحكمة ، تم رفع الإقصاء الى “مدى الحياة”. وفي هذا الصدد ، من الواضح أن حجج الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات حول الحاجة إلى تطبيق عقاب جماعي على الفريق الوطني الروسي بأكمله بسبب أفعال أفراد ، ليست صحيحة، و ذات طبيعة سياسية و هذا واضح للجميع ، من خلال المشاركة النشطة للمسؤولين الرياضيين الأمريكيين والبريطانيين في إطلاق العنان لفضيحة المنشطات و تصرفات موظفي مختبر موسكو لمكافحة المنشطات. وبالفعل بعد أن أصدرت محكمة التحكيم الرياضية قرارها ، لاحظنا تصريحات مشرقة وعاطفية من قبل رؤساء الهياكل الغربية ، الذين لعبوا دور النقاد الرئيسيين لروسيا.

       وصرحت رئيسة وكالة مكافحة المنشطات في المملكة المتحدة ، نيكول سابستيد ، إنها “غاضبة” من تخفيض فترة العقوبة (من 4 إلى 2 سنوات) ، حيث تم رصد “أخطر انتهاك لقواعد الرياضة”!. ووصفت وكالة مكافحة المنشطات الأمريكية حكم محكمة التحكيم الرياضية باستخدام تعاريف “ضعيفة” و “مدمرة”. ومن وجهة نظر ترافيس تيغارت ، فقد أفلتت روسيا ، مهما كانت أسباب المحكمين ، من العقاب “المتناسب مع خطورة الجرائم”.

        وتجدر الإشارة إلى أن محكمة التحكيم الرياضية فرضت عقوبة جماعية بسبب الانتهاكات على جميع الرياضيين دون استثناء غير ابهة بافتراض البراءة والضعف القانوني فيما يخص العقوبة المشتركة على الجميع ، ونفت بذلك الشعارات القائمة بأن الرياضة خارج نطاق القانون. فما هي الا سياسة. ويشعر كل رياضي يتأثر بهذه القيود بالظلم والغضب لعدم قدرته على التأثير على قرارات سياسية غير عادلة وعدم عدالتها واضح للجميع.

        ومع ذلك ، هناك ثقة في أن الرياضيين القوقازيين ، بغض النظر عن الظروف السلبية الحالية ، سيظهرون أفضل نتائجهم وسيحتلون المراكز الأولى في الألعاب الأولمبية الصيفية القادمة في طوكيو في الرياضات التقليدية ، مدعومين بالمشجعين من جميع أنحاء العالم برفعهم العلم الشركسي و الرموز الوطنية.

وكما قال رئيس اتحاد المصارعة الروسي ميخائيل ماماشفيلي: “يواصل المصارعون التحضير للأولمبياد – وليس هناك ذعر ولا رغبة في الانتقام الفوري”.