كافة الحقوق محفوظة © 2021.
رحم الله .. مدرستي !!
حسين الذكر
كل ما اتذكره في طريقي للتسجيل في مدرستي ( الابدائية المحمدية الكائنة في بيت مستاجر بمدينتي الحرية ) .. ان والدي ( رحمه الله ) ساقني قسرا الى إلادارة وكنت ارتدي دشاشة بازة .. لم يستطع دفع نصف دينار رسم الدراسة وبعد توسل وتوسط المعاون تم تسجيلي على ان يسدد قبل نصف السنة . في المحمدية التي تحولت الى مدرسة المصطفى بعد ان بنت الحكومة مطلع السبعينات ثلاث مدارس حديثة للبنين والبنات .. ضمت جميع أبناء المنطقة بعد ان زودت باحدث المستلزمات … كما كان فيها جيل تعليمي واداري انموذجي يتحلى بالروح التربوية والوطنية فضلا عن العلمية والإنسانية .
بعد أربعين عام تقريبا مررت مصادفة بمدرستي فوجدتها هدمت بحجج واهية كي يتم بناؤها بشكل احدث .. حزنت على تلك الذكريات الضائعة .. بعد سنوات لم يتغير شيء فاعتصرني الألم حد الإحباط بعد حولوها الى ( بؤرة للأنقاض ومرتع للازبال ) حتى لم يعد يفكر بها .. لا مواطنين ولا وطنين ..
في موسم 76 – 1977 تم افتتاح متوسطة ابي ذر الغفاري للبنين وقد ضمت الطلبة المتفوقين بالابتدائية بمعدل فوق الثمانين وكنت منهم .. يقول صديقي الأستاذ جمال السياب : ( ان متوسطة ابي ذر كانت بالاصل مدرستي الابتدائية التي تاسست عام 1964 بعهد الرئيس عبد السلام عارف وكانت بدوام صباحي ومسائي مدرستي ( ابي الفداء والمكاسب ) .. ويتذكر انهم رفعوا صور الرئيس عارف ووضعوها على الجدار بمناسبة الافتتاح .. كما يذكر ان الفنان فاضل عواد جاء مراقبا لامتحانات البكلوريا وقد تمهر الطلبة فرحين به كثيرا حد الاحتفاء لشهرته الواسعة في العراق بعد انتشار اغنيته الشهيرة ( لا خبر لا حامض حلو التي ملأت الافاق آنذاك ) ..
بعد اكمالي المتوسطة انتقلت للدراسة في اعدادية التاميم التي كانت من افضل الاعداديات ورفدت الجامعات بأكفاء الطلبة .. وقد امتازت بالنظام الصارم وكفاءة المدرسين .. وقد دهشت بتغيير اسمها ، اذ لا اجد سبب وجيه يدعوا الى ذلك بعد 2003 .. ثم انقتلت الى دراسة الفرع الادبي في اعدادية الشروق التي تخرجت منها الى الخدمة العسكرية مباشرة عام 83 والسوق الى الخنادق والقتال بعمر 18 سنة دون ان ارسب ولا سنة باي مرحلة..
على طول الخط وبجميع المراحل كانت المدارس وكذا المعلم والمدير والمعاون وبقية الملاكات عبارة عن كفاءات تربوية وطنية وطاقات معرفية تتحلى بالروح الإنسانية التي يجودون فيها من رواتبهم على الطلاب الفقراء ..
طوال دراستي والاجيال التي قبلي ومن بعدي .. لم يكن هناك دروس خصوصي ولا ملزمات ولا امتحان ثالث ولا دراسة عن بعد .. ولا غش ولا واسطة ولا هم يحزنون ..
في ذات السياق المبكي : ( ان الابتدائية كان فيها حصة رياضية وفنية بمعلمين متخصصين بدرس جاد وتربوي .. كما كنا نردد النشيد الوطني وتحية ورفع العلم .. والقاء الخطب .. وكان اجتماع الإباء واحيانا تغذية ورعاية صحية .. فضلا عن كون الدراسة مجانية ولم نسمع اطلاقا ان معلم ما اخذ من تلميذ شيء ما .. كما ان اغلب الخريجين يعينون بالوظائف .. لا انسى ان مدرستي كان فيها مسرح ومرسم وملعب .. وجامع للصلاة .. فالمدرسة لم تكن للتكسب ولا ضيعة يتقاسمها الأحزاب ويتوارثها المسيطرون .. بل مؤسسة وطنية لاعداد وتربية الأجيال ومعلم من معالم حضارة المجتمع !