كافة الحقوق محفوظة © 2021.
بندورة “زغيرة”… زينة المعاني
هناك على الرصيف الخلفي لشارع عبدون، مررتُ بطفلين.
أخوان: (طفل رجل) و(طفل طفل) يتمدان على الأرض، بينما ارتكزت خلف ظهريهما حبّات البدورة “الزغيرة” وميزانٌ قديمٌ.. كلاهما يرتدي “بيجاما” رياضية، غير ان “البلوزة” لا تمتّ للبنطال بصلة.. برتقالي وأخضر.. رمادي وأحمر.. وعلى الفور، رنّت ذكرى طفولتي على بالي، فأنا لم أرتدِ في البيت أو الحارة طقماً كاملاً.. وكان الأمر لا يهمني فكلّ أطفال الحارة مثلي.. كلنا يرتدي ما يجفّ أولاً بغض النظر عن “التلبيق”.. وكانت هذه هي القاعدة الأساسية غير المحكية..
سألت الطفل الأكبر:
-كم كيلو البندورة حبيبي؟
لم يفرح الطفل الرجل بمخاطبتي له ب”حبيبي” بينما خجل الطفل الصغير وقال: “خمس وسبعين قرش خالة!”..
-أعطني 2 كيلو اذا ممكن وهاك خمسة دنانير
-“معيش فكة خمسا خالة”
-لا بأس .. أعطني 2 كيلو ثم نتفاهم..
بدآ باختيار البندورة “الزغيرة”، الأخ الأكبر يعلّم الأصغر كيف ينتقي، ويرمي الحبات البالية بعيداً ويصبّ الطفل الصغير كل اهتمامه ليتعلّم من أخيه الذي بدا في عيونه الملجأ والمحبة والأمان..
أخذت 2 كيلو بندورة “زغيرة” وقبل أن يفكّرا بالباقي، حرّكت السيارة وودّعتهما.. وناظرتهما بمرآة سيارتي وهما يتبادلان كفوف الفرحة بالدنانير ويعودان الى التمدّد..
لا أطرح هذا الطرح هنا لأشير الى عملٍ قمت به؛ الطفلان هما من تبرّعا لي، وتصدّقا عليّ ب 2كيلو من السعادة “الزغيرة” وأنا هنا أشكرهما على عملهما الخيريّ هذا الذي انتشلني من كآبةٍ بدت سخيفة.. نظرتُ لنفسي وكم تمنيت أن أعود الى منزلي وأنزع عني مظاهر مادياتنا الزائفة وأرتدي أي شيء يشبههما..
كم أظهرت هذه البندورة “الزغيرة” زيف ما أراه هنا من شفاه متفجّرة ، وحواجب تحلّق في السماء، وخدود تشبه البلالين، ودلعٍ زائف مبتذل، وبناطيل ساحلة وسيارات قاربت ناطحات السحب، والعلاقات التي تبدأ وتنتهي في لحظة، وسهولة الوصول التي لا تصدق، واستباحة بساطة الإنسانية البشرية بكلّ معانيها.. استباحة الحقيقة .. حقيقة من نكون؛ بشرٌ أم مادة؟ قلبٌ أم دينار؟ شكل أم روح؟
فشكراً .. شكراً للبندورة “الزغيرة” وشكراً للطفل الرجل الموجود في كل عائلة، وشكراً بحجم السماء للطفل الصغير الموجود في داخل كلٍّ منا.. ويأبى أن يكبر.