كافة الحقوق محفوظة © 2021.
أرادت مواجهة العزلة والمرض… فكان “قيادة” طريقها
سراب سبورت _
أربع سنوات من العزلة عن العالم، كفيلة بأن تجعل أي شخص غير قادر على مواجهة الحياة من جديد. لكن هناك من يختار عكس ذلك تمامًا…
بعد دخولها في حالة مرضية أضعفت قدميها، ثم شيئًا فشيئًا منعتها عن الحراك، انعزلت أسيل ذات الـ 24 عامًا عن محيطها لأربع سنوات متتالية. الصدمة النفسية المؤلمة التي تعرضت لها أسيل، مع متطلبات خطة العلاج الجديدة التي خضعت لها، والتي كانت سببًا في عدم تقدّمها لامتحانات التوجيهي، فضلًا عن صعوبة الحركة والتأقلم مع الوضع الجديد؛ كلها صعوبات بدت وكأنها تكاتفت في آن واحد لتمنع الشابة المليئة بالحياة، من الحياة.
لم يكن من السهل على أسيل أن تتقبّل فكرة أنها غير قادرة على أن تعيش أوج طاقتها، أن تتبع شغفها نحو الاستكشاف والتعلم والبحث عما هو جديد من تجارب وخبرات، حالها حال أي شابة أو شاب في عمرها. لم يكن سهلًا عليها أن تركن في الزاوية منتظرةً وصول الفرج. وبقدر ما كان ذلك مؤلمًا وثقيلًا بداخلها، إلا أن حالة عدم التقبّل هذه ربما كانت السبب في أن تنهض أسيل من جديد، وتحارب، ولو بخطوات بسيطة.
فسحة الأمل في “قيادة”
بدت الزرقاء، المحافظة التي تعيش فيها أسيل مع عائلتها، ضيّقة للغاية رغم اتساعها. لكن فسحة الأمل عادت من نافذة مركز شبابي، وبرنامج أحيى بداخلها شعلة الحماس من جديد.
“أردتُ التغيير والخروج مما أنا فيه. لم أكن أعرف كيف أبدأ ومن أين، إلى أن سجلت في مركز شابات وشباب الزرقاء النموذجي في بدايات عام 2022. لم أكن قادرة تمامًا على المواجهة، لكنني أردتُ المحاولة. بعد فترة، تلقيتُ اتصالًا من رئيسة المركز، والتي لن أنسى فضلها عليّ أبدًا: ما رأيك بالمشاركة ببرنامج جديد؟”
عرضت رئيسة المركز على أسيل المشاركة بالجلسات المستمرة في برنامج قيادة المنفذ بالشراكة بين يونيسف الأردن، وهيئة أجيال السلام، ووزارة الشباب، والذي يهدف إلى بناء مهارات الشابات والشباب، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتشجيع قدرتهم على التكيّف مع مختلف الظروف ليكونوا قادة ناجحين ضمن مجتمعاتهم.
ضمن مجموعة من الجلسات، شاركت أسيل في الأنشطة المختلفة لبناء القدرات واكتساب مهارات القيادة في مجالات الحياة المختلفة. “تعلمنا إدارة العاطفة، تنظيم الوقت، كيف نكون مسؤولين عن ترتيب أفكارنا، كيف نحلل ونفهم مشاعرنا ونتحكم بذواتنا. تعلّمنا أن نكون مسؤولين عن أنفسنا؛ وكيف نكون مسؤولين عن عدة أشخاص”.
لم يقتصر الأمر على مشاركة أسيل في الأنشطة الجماعية والفردية فحسب، بل كانت تقود بعض الجلسات بدعم من الميسرين. “لا زلتُ أذكر أول مرة وقفتُ فيها أمام المشاركين لأعرض عليهم رأيي بما نناقشه حول نافذة جوهاري لبناء الوعي الذاتي. بسبب توتري وخجلي، نسيتُ ما كنتُ أريد التحدث عنه. من خلفي كانت تقف السيدة رانية، رئيسة المركز، تذكّرني بما يجب أن أقوله، وتدعمني خطوة بخطوة. اليوم لديّ القدرة والإمكانية لأقف أمام الجمهور وأتحدث بكل راحة وثقة”.
ما الذي تغيّر؟
“إن كانت هناك جملة تعبّر عن حالتي قبل برنامج قيادة وبعده، فهي: كنتُ وحيدة بعالمي، واليوم أصبحتُ أكره الوحدة”. تقول أسيل، بأن برنامج قيادة كان سببًا في بأن تصبح “أقوى نفسيًا”، فقد عادت لتكوين الصداقات من جديد، وأصبحت أكثر تواصلًا وقربًا حتى من عائلتها، مما انعكس إيجابيًا على رحلة علاجها. “أصبح لديّ برنامج يومي، أولوياتي فيه مرتبة. أجلس مع عائلتي أكثر، أتفاعل معهم، أتكلّم أكثر، وأحب الخروج من المنزل”.
ومن خلال مشاركتها في برنامج قيادة، استطاعت أسيل أن تتميز وتثبت نفسها، حتى أصبحت اليوم تساهم كمتطوعة في كثير من الأنشطة التي ينظمها مركز الزرقاء النموذجي، إذ يتم التواصل معها باستمرار من المركز للحضور والمساعدة والعمل إلى جانب المشرفات والمشرفين.
باستخدام أدوات تيسير وأنشطة غير تقليدية للتعلّم، استطاع برنامج قيادة أن يؤثر في حياة 900 شاب وشابة من المجتمعات المحلية في الأردن، ويلهمهم لاكتساب مهارات التفكير والقيادة اللازمة لتحقيق طموحاتهم وأهدافهم؛ مرسخًا مفاهيم العدل والمساواة بين الجنسين.
تطمح أسيل اليوم بأخذ دورات في الحاسوب، تطوّر ذاتها، تتطوع أكثر، وتستفيد من المهارات التي اكتسبتها لتفيد نفسها وغيرها. “اليوم أنا أتماثل بالشفاء الحمدلله، وأحد الأسباب هو الدعم الكبير الذي شعرتُ به خلال مراحل البرنامج. رسالتي لكل شابة أو شاب من حولي؛ لا تستلموا، وضعوا أمامكم هدفًا واضحًا. الضعف والاستسلام، يعني ضياع الحلم”.
المصدر :صفحة الفيس بوك للأجيال السلام