كافة الحقوق محفوظة © 2021.
عذرًا يا سادتنا… بقلم : د. منتهى الطراونة
لم يكن الطريق المؤدي إلى مدينة المزار الجنوبي يومًا ؛ سوى طريق واصل بين بيتي ، ومدرستي ، أو بيتي ، ومكان عملي فيما بعد ، ولم تكن الفرصة متاحة لعقلي بالتفكّر والتأمّل ، لأنه مثقَل بهموم الدراسة ، والوظيفة ، ومتمرد على كل شيء دونهما ، فأنا التي اعتدت اﻻنغماس بما يمكن أن يحقق لي النجاح ، ولم أعبأ بغير ذلك .
بالأمس كان لعقلي وِقفة طويلة ، وأنا استذكر أن هذه الأرض سالت عليها دماء شهداء مؤتة ، وأن ثمة قطرات من دم جعفر بن أبي طالب ؛ أكثر الناس شبهًا برسولنا العظيم خَلقًا وخُلقًا ؛ ما زالت هنا ! وقطرات من دم زيد بن حارثة ؛ الوحيد المتفرد بذكر اسمه صريحًا في القرآن الكريم ؛ ما زالت هنا ! وقطرات من دم عبدالله بن رواحة ؛ الشاعر والصائم المتفرّد بين الصحابة ؛ بصيام أشدّ الأيام حرارة اتقاء لحر جهنم ؛ ما زالت هنا !
وقفت مطرقة خجلة من تفريطي بكل تلك السنين ، التي ما توقفت فيها لحظة لأشعر بمثل ما شعرت به بالأمس ، ولم أكن غير عابرة سبيل ، عاقّة ، منصرفة لكل ما دون ذلك ، وما أكثره !
عذرًا يا سادتنا : جعفر ، وزيد ، وعبدالله ، إذ لم نكن سوى مقلبين لأوراق التاريخ ، عبر صفحات منهاج مقرر ، قاصر ، حفظناه صمًّا دون تمثُل لصفة من صفاتكم ، أو خُلق من أخلاقكم !
عذرًا يا سادتنا ، فلم نكن غير منظِّرين ، مستعرِضين لبطوﻻت كاذبة ؛ تخيلناها ؛ فصدقناها ، ولم نكن غير ﻻهثين وراء المناصب ، والمكاسب ؛ تاركين إرثكم العظيم وراء ظهورنا ، منصرفين لمن ﻻ يدورون غير في أفلاك مصالحهم ، وامتيازاتهم !
عذرًا يا سادتنا : فلم نقدم لكم غير تبجحنا بأننا أطلقنا أسماءكم على أبنائنا من العاقّين ، والمتعاطين ، وتاركي الصلاة ، والخارجين عن كل فهم صحيح للإسلام ؛ (ولا أعمم فهناك من الأبناء ما يستحق حمل الاسم ونفتخر بهم) .
عذرًا يا سادتنا : فالحديث يطول ، وقبول الأعذار فات أوانه !
عذرًا يا سادتنا ؛ ما أجملكم ! وما أقبحنا !