كافة الحقوق محفوظة © 2021.
تقاعد… بقلم : د. منتهى الطراونة
قالت ؛ كيف هي حياتك بعد التقاعد ؟!
قلت ؛ حياة طبيعية ؛ فأنا على قيد الحياة التي هي بيد الله ، ولست على قيد الوظيفة .
نعم تقاعدت من الوظيفة الحكومية بقرار مني ، ولم أنتظر قرار وزير أو غيره ، (ولا أنكر فضلها الكبير عليّ) ، لكنني لم أتقاعد من مشاعري ، ومن واجباتي الدينية ، والاجتماعية ، والعائلية ، بل على العكس تمامًا ؛ كلها تحسنت ، وتألَّقَت في متسع من الوقت والتأمل !
تأملت علاقاتي مع الناس ؛ فوجدت أن أصدقاء المصلحة والوظيفة ذهبوا ، وهؤلاء لا أريدهم ، وفي ابتعادهم خير لي ، وبقي معي الأوفياء الأصلاء ، وهؤلاء يسعدونني ، وأتشرف بهم ، وتأملت علاقاتي مع عائلتي ، وأهلي ، وأقاربي ؛ فأصلحت ما كاد أن يلحق به أذى بسبب ضيق الوقت ، وسيطرة واجبات العمل وضغطه .
ما زلت أستغرب كيف يهزأ الناس من هذه المرحلة ، ويتناسون أن الوظيفة جزء غير أساسي من الحياة ، فربما لم يحصلوا عليها أصلًا ، وربما اكتفوا بأعمالهم الخاصة ، وربما رفضها بعضهم ، والسؤال الكبير ؛ هل كل هذا الكمّ من البشر الذين لم يدخلوا عالمها ؛ أموات ، وليس لهم أثر في الحياة ، أو وجود ؟!
كل ما يمكن أن نفقده هو ؛ الروتين ، والنمطية التي كادت تجعل منا قوالب آلية ، لكننا نبقي على النظام ، وحسن إدارة الوقت .
ولا تنسي يا عزيزتي ؛ أن المفهوم العام للوظائف كاد أن يتغير جذريًا ؛ في ظل العالم الرقمي ، وسطوة التكنولوجيا ، فقد تقدِّمي للمجتمع ما يمكنك أن تقدميه ؛ من خلال تواصلك الذي تريدين ، وقد تكوني موظفة براتب يفوق راتبك آلاف المرات ؛ إن أصبحتِ (مؤثرة) ؛ يؤم ما تنشرين مهما كان سخفه أو قيمته ؛ الملايين ، وتكوني مشهورة ، ويشار إليكِ بالبنان أيضًا !
التقاعد يا عزيزتي أعادني لعاداتي التي أحب ، وهواياتي التي كدت أن أفقدها ، وأعادني لنفسي ، وروحي التي أوشكت أن تُزهَق !
التقاعد ؛ حرية وانطلاق من قيد كبّلني أكثر من ثلاثين عامًا ، عادت نفسي بعدها تهتف جذلى ؛
أعطني حريتي أطلق يديّا
إنني أعطيت ما استبقيت شيئا
آه من قيدك أدمى معصمي
لمَ أبقيه وما أبقى عليّا
الحمد لله على ما أعطى ، وما منح من فضله ،
والحمد لله على ما منع ؛ فالله يعلم وأنتم لا تعلمون ..