كافة الحقوق محفوظة © 2021.
أرواح … بقلم : منير حرب
يحدث أن ترتاب نفسك من شخص ما، هكذا دون سابق لقاء، تتنكر له روحك وتضطرب، يحدثك قلبك بخطب ما فيه، بلوثة في روحه، وسواد يملأ صدره، يخبرك بزيف تدليسه، فاحذره لكن دون استجابة منك. تتوالى المواقف والأحداث، وتصادق هذا الشخص، يخدعك عن نفسك، وتشك في بوصلتك المزروعة فطرة بقلبك، تستمر الأخيرة في التوجيه، وتواصل أنت الإهمال مكابرة وعناداً، لما تراه بعينيك من صنيعه الزائف.
تمضي الأيّـام كعاتها، دون مبالاة، تفجعك حينا، وتُـبهجُـك أخـرى، وما بينهما زمن من الحزن والفرح والألم والأمل، وتكشف لك ما خبّأته سلفاً عنك، وقتها ستعض أصابعك ندماً وحسرة، على ما فرطته في جنب قلبك، إن كنت لمن الغافلين. حينها ستخبرك أفعاله صراحة بحقيقة نفسه، وسيغرف بلسانه من معين قلبه الأسود، مُحدثا بسوء سريرته، ذلك أن ما يطفح به القلب ينزلق به اللسان، وستأسف كثيراً على تجاهلك لذاتك ومصاحبتك لمن لا يستحق، سيُسدل الستار عن فصل من حياتك، تُدرك فيه أن حديث القلب به مسحة ملائكية، وجُب عليك الأخذ به. وكذا العكس صحيح، ألم تسمع بفتاة أحبّت من أول نظرة، وفتـىً قتله الهيام عشقا عند أول لقاء، تتعجب من هذا وتلك، جهلاً منك بلغة الأرواح، وفراسة الأنفس، وما يحاكُ في الصدور من مشاعر.
العينان شرفتا الروح، تخبرانك بعمق لا مرئي وأحاسيس غير منظورة، كالحب، والحزن، والفرح، وغيرها من مكنونات النفس المتشابكة، ومن خلالهما يمكنك تخمين النظرات الحانية، والمعاتبة، والكارهة، والطيبة، والغاضبة، والحالمة، والراضية، وما إلى ذلك من تعابير متخفية ودفينة، لها علاقة بما تحمله النفس من مشاعر طاغية، فالعيون تمنح إحساساً واضحاً يصل للآخرين ممن فقه حديث القلوب بسهولة، وبصعوبة لمن لا يمتلك القدرة على قراءة مكنونات النفس وتلك مفردات أخرى للغة واحدة صامتة.. هي لغة الأرواح، وحديث الرّوح إلى الأرواح يسري، فتدرِكُه القلوب بلا عناء.
قيل قديما إن الأرواح خلقت قبل الأجسام، وكانت تلتقي فتتشاءم، فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم بداية الخلق، وبقَدر ما يعلو منسوب الحُبِّ في القلب، بقدر ما تمتزج الأرواح ويفهم كل صاحب صاحِبَه، والعكس صحيح، فتعارف الأرواح يقع بحسب ما تضمره القلوب من حب وكراهة، ووفق الطباع التي جبلت عليها الأنفس من خير وشر، فالطيب من الناس يحن إلى شكله والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره.
في دُنيا الناس مواقف ملهمة، مغبونٌ من تجاهلها، ومحروم ذاك الذي لا ينصُت لقلب عقله، ويهتدي ببوصلته الروحية المخلوقة فطرة داخله! فلكلّ منّا ميزان، وفي داخل كل إنسان صوت يعرف من خلاله ماهية الصواب والخطأ. ويبقى أن أشير إلى أن القلب بئر تختزنُ فيه كل أسرار النفس والحياة، فأنصت له ما استطعت، واستمع لنبض حديثه، ودقائق ما يخبرك به.