كافة الحقوق محفوظة © 2021.
“الله يرضى عليكو” … بقلم : أكثم حرب
في موروث الحكايات الشعبية ، ثمة مقولة مشهورة ، فحواها أنه مهما اشتد الظلام ، فسيطلع الفجر في النهاية ، ومهما أحاط بك السواد ، فثمة بصيص نور في نهاية النفق .
هكذا هو حالي تماما بعد رحيل أبي إلى جوار الرفيق الأعلى . ظلام الوحدة ، ودياجير الفراق ، تبددها تلك العبارة التي كان ينطقها والدي في أيامه الأخيرة ، عندما أخبره أنني فعلت كذا وكذا ، مما كان يحبه من أعمال ويحرص عليه . كان يردد ويكرر : “الله يرضى عليكو” . ربما هي من المرات القلائل التي كنت أدقق فيها في كل حرف من حروفه . كثيرا ما كان يردد في حياته بالعبارة ذاتها ، لكنها كانت مختلفة جدا في أيامه الأخيرة . كانت تترافق مع ابتسامة غامضة ، وكأنه يطمئننا بأنه إذا رحل فسيرحل راضيا عنا تماما .
” الله يرضى عليكو” . كلما تذكرت وجهه الشاحب في العناية الحثيثة ، وكلما راجعت أحداث ذلك اليوم الأسود في حياتي ، تنساب عبارته أمام ناظريَّ ، وتقرع مسامعي بغتة ، وكأنه يذكرني بأنه راضٍ عني ، وقد رحل وهو على ذلك ، فلم الجزع والبكاء يا بني ؟؟
“الله يرضى عليكو” تكفيني هذه منك يا أبي ، والله تكفيني وزيادة . إنها النور في نهاية النفق ، وهي الفجر الذي سيطلع بعد اشتداد حلكة الليل . إنها دليلي في حياتي ، وأملي الوحيد المتبقي ، بعد أن خاصمتني الآمال كلها .
“الله يرضى عليكو” . رضي الله عنك أبتاه وأرضاك . ما زلتُ أقوم بكل ما تحبه وترضاه ، وما زلت أنفذ وصاياك . أشجارك التي تحبها ، ما زلت أسقيها بدمعي قبل خرطوم الماء ، وأمي التي حملتها بين أهدابي بعد رحيلك ، وحتى القطة التي كنت تحبها ، ما زلت أرعاها وأطعمها وأسقيها . قبرك الذي منذ وفاتك ، وأنا أزوره يوميا وأدعو لك بالرحمة والمغفرة والعتق من النار . فقط ، الفارق الوحيد بين أيامي هذه وما قبلها ، هو أنني لم أعد أسمع عبارتك المطمئنة تلك :”الله يرضى عليكو” . ولكنها عالقة في ذاكرتي ، وقاطنة في قلبي ما حييت . الله يرضى عليك يا أبي كما رضيت عنا . رحمك الله وأسكنك فسيح جناته .