كافة الحقوق محفوظة © 2021.
“أم القرية ” رحلت … بقلم : منير حرب
الحصيف والعاقل والفطين هو الذي يعمل في دنياه لآخرته.
أقول ذلك وأنا اليوم أودع أما أجمع الجميع أنها أم لكل القرية الكل يستذكر أمومتها بكل ما تشمل من حنان وعطاء وإبتسامة تملأ قريتي ضياءا .
الحاجة ( سلمى ) أم ماجد زوجة المختار رحمه الله كنت محظوظا جدا انا وأخوتي ان بيتنا القديم كان ملاصقا لبيتهم فكنا كعائلة واحدة … يوميا أعرف موعد دخولها للطابون أنتظر قليلا حتى تسخن الحجارة ( الرضف ) ثم ادخل بقربها تستقبلني بالترحاب والدعاء وابدأ بتناول الخبز الذي لم ولن أذق بطعمه ما حييت حتى اشبع فتقول شبعت أقول نعم فتقول لي الآن خذ لأمك كم رغيف … سيدة الكرم والعطاء أم الجميع الحنونة الغالية …
أم ماجد أنتي ألآن في يد الرحمن وفي حبل جواره ، فقد كنت فينا الأم أنت ألآن في دار الحق وفي جوار من لا يضام عنده عبد من عبيدة .. أنت ألآن في حبل القربى من الخالق وهو الرحيم والودود والرحمن والغفار والغفور والمعطي… وهل هناك أكرم من هذه الاستضافة، وأنت تعلمين ألآن أكثر منا كيف يكون مستقر المؤمنين الصالحين وأنت إن شاء الله منهم.
أمي أم ماجد …لا تظنين أن هناك وصفاً للحزن الذي لفنا اليوم رغم أننا نعرف أنك متعبة منذ وقت الا أن خبر رحيلك صدمنا لأننا فقدنا أم….. لم يكن جزعنا اعتراضاً على حكم الله، وقد قلنا ما قاله رسولنا صلى الله عليه وسلم: ” أن العين لتدمع وان القلب ليحزن على فراقك يا إبراهيم”؛ إننا لا نعترض على إرادة الخالق، ولكننا نحتسبك عند الله واسع الرحمة؛ وغافر؛ الذنب وقابل التوب.
وتأكدي يا أماه أن الإنسان مربوط بقدره وبقدرة الله. وهو تحت عيني الإرادة السماوية، لذا فإننا نرى فيك بإذن العلي القدير وبمشيئته… طرفنا إلى الجنة… وان يجعلنا الله من الصابرين…
شَاءَتْ إرادَةُ الله سبحانَهُ أنْ يَرْفَعَ مِنْ دَرَجَاتها عندَهُ بأَنِ ابْتَلاها بالمرض… فأصْبَحَتْ حاضِرَةً غائبَةً، أو أصبَحَتْ تحضُرُ حينًا وتغيبُ حينًا، ومع الأيامِ أَصْبَحَ الغيابُ أكثرَ مِنَ الحُضُورِ، وللهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ، ولَهُ الحَمْدُ على كُلِّ حَالٍ .
أَيْقَنْتُ أَنَّ الإنسانَ ما هو إلا ذاكرةٌ، وأَنَّ الإِنسانَ بلا ذاكرَةٍ يُصْبِحُ كَيْنُونَةً أُخْرى غَيْرَ كَيْنُونَتِهِ، وسَلْبُ الذَّاكِرَةِ مَوْتٌ حقيقيٌ لا مَجَازيٌّ، يَنْطَبقُ ذلك على الأفرادِ والجَماعاتِ، وقَدْ رَأَيْتُهُ رَأْيَ عَيْنٍ في أَحَبِّ الناسِ إلى قلبي .
لَمْ أَكُنْ أرَ المَوْتَ شَكْلا وحيدًا للرَّحيلِ، بَلْ كُنْتُ أَعْرِفُ تمامًا أَنَّ الرَّحيلَ قَدْ يَكُونُ برَحيلِ ذَاكِرَةِ الإنْسانِ، وأَنَّ الإنْسانَ مِنَ المُمْكِنِ أَنْ يَرْحَلَ وَهْوَ على قَيْدِ الحَيَاةِ (وحينَهَا مِنَ المُمْكِنِ بلْ مِنَ الواجبِ رِثَاؤُهُ!)، كما أنهُ مِنَ المُمْكِنِ أَنْ يبقى حيًّا أَبَدَ الدَّهْرِ وإنْ مَاتَ وقُبِرَ (وحينها يكونُ الرِّثَاءُ مُجَرَّدَ مَرَاسِمِ وداع) .
كَانَتْ أُم ماجد رَحِمَهَا اللهُ مِنْ جيلٍ فريدٍ مِنَ النِّسَاءِ، جيلٍ دَيْدَنُهُ العَطاءُ، ووُجُودُهُ يَعْتَمِدُ على أَنْ يُسْعِدَ الآخرينَ، فَهي لا تَبْتَهِجُ إلا بإِسْعَادِ كل من يدخل بيتهم العامر دوما من أيام المرحوم أبو ماجد وأبْنَائِها وأُسْرَتِهَا.
شَاءَ اللهُ أَنْ يَمُدَّ في عُمُرِها، فَأَهْدَتْ من ثمارِ حكمَتِهَا ثَلاثَةَ أَجْيالٍ، فَرَبَّتِ الأَبْنَاءَ، والأَحْفَادَ، وبَعْضَ أَبْنَاءِ الأَحْفَادِ والأهم والأعظم أنهم من حفظة القرآن وعلماء الدين تتباهى بهم قريتهم ومحافظتهم ووطنهم .
رحلت أم ماجد بعد ٤٦ يوم من رحيل أبي ليجتمع الدعاء لهما ولكل غوالي قلبي ولجميع موتى المسلمين .