سراب سبورت
مجلة رياضية

“مدن تسكننا” الكرك عالية الجناب… بقلم : الدكتورة منتهى الطراونة

من المدن ما يطبق على قلبك على الرغم من اتساعها، ومنها ما تفسح له مدّ البصر على الرغم من صغر مساحتها!
ربما تسير في شوارعها مغمَض العينين، ولا تتعثر قدماك، فالقلب يعرف أين يسير، ولن يخذلك، فبين قدميك والطرقات أُلفة تجاوزت الحاجة إلى النظر!
فيها فقط؛ يقابلك الناس بابتسامة، ويستوقفك معظمهم ليسألك عن نفسك قبل عقود، وليذكّرك بموقف، وليسألك عن أهلك حتى الجد الخامس منهم، وليشكرك على ما لم تتذكر أنك فعلته!
فيها فقط؛ يرفض طبيبك أن يأخذ أجرة الكشف عليك لعارض صحي ما؛ لأنه يعرفك!
فيها فقط؛ يرفض البائع أن يأخذ ثمن ما ابتعته، ويبادرك بعبارة (خلّيه علينا)؛ لأنه يعرفك!
وفيها فقط؛ يبادر أحدهم بدفع حساب ما ابتعت من أشياء، ويسبقك لذلك دون أن تعلم؛ لأنه يعرفك!
فيها فقط؛ تتوقف عند أبواب البيوت تسلم على أهلها، ويتشبثون بك لمشاركتهم طعامهم، وقهوتهم؛ لأنهم يعرفونك!
فيها فقط؛ يتوقف كل من يقابلك(بعد وقت طويل لم يرك فيه)، مرحبًّا؛ ليؤكد لك أنه ما زال يذكرك؛ حتى وإن تغيرت ملامح وجهك، ورسم عليها الزمن خطوطه، وتعرجاته، وترك بصماته؛ لأنه يعرفك!
فيها فقط؛ تبحث عن ذكرى قديمة، وعن ياسمينة عتيقة كنت تلقي عليها التحية كل صباح، وأنت ذاهب إلى عملك!
فيها فقط؛ تتوقف لتلقي السلام على ذلك التاجر الذي جلس أمام متجره؛ لأنك تعرفه، ويعرفك!
تعرف مساجدها، كنائسها، ميادينها، ساحاتها، وهي تعرفك!
فيها فقط؛ تعرف تفاصيل المتاجر، ووجوه أصحابها، وأين يخبئون بضاعتهم، ليؤثروا بها بعض معارفهم، ومنهم أنت!
فيها فقط؛ تعرف أسماء العائلات، وسكان البيوت، وسيرتهم، وماضيهم، وحاضرهم، وهم يعرفون عنك كل شيء!
فيها فقط؛ تعرف أصحاب البيوت المهجورة والمهدّمة، ومتى، وكيف غادروها، وإلى أين!
فيها فقط؛ تعرف أصول عائلاتها الشامية، والأرمنية، والفلسطينية، والكردية، والتركية، والحجازية، والكثير، وتعرف باحات تلك البيوت؛ البَحرة، وعرائش العنب فيها، والياسمين!
مدارسها تعرفك، وأنت تعرف كل زواياها، وطلبتها، ومن تولّى إدارتها منذ التأسيس، ووقع خطاك ما زال يقول، كنت هنا يومًا، وسجلاتها تعرف تعرجات خطك، وذوب عقلك، وقلبك، وعصارات فكرك، ومازال صوتك ورجع صداه في كل الردهات موجّهًا، وناصحًا، وحريصًا، وما زالت الغرف تذكر تلك الجلسات بين جدرانها، وتلك الضحكات، والوشوشات، وفناجين الشاي والقهوة، وبقايا حلوى صنعتها الزميلات هنا وهناك، وكل الذكريات!
تجوب مدنًا سهّل الله لك دخولها، والعيش فيها، ومعرفة كل جمالياتها وسحرها، لكن نفسك لا تهفو لغير مدينتك!
تدخل مطاعمها، لكن شهيتك لا تعترف بغير مطعم الحلبي العتيق، وذكرياته؛ فللحواس ذاكرة!
وتقضي أمسياتك في متنزهاتها وحدائقها، وعلى شطآنها، لكن نفسك لا تتوق لغير حديقة المشير، والقلعة تطلّ عليها، فيتعانق التاريخان؛ تاريخ حابس، وتاريخ شهدائها من كل عشائرها؛ الذين استقرت أجسادهم في واديها السحيق ذات ظلم!
تعرف تاريخ علياء، واحتراق قلبها، وإبراهيم الذي وفّى!
وهبّة فتيتها؛ الذين آمنوا بربهم وبها، يوم حاول بعض الخوارج اقتحام حصونها!
تدخل منتديات، ومحافل، وملتقيات في كل الأماكن التي قادتك ظروفك إليها، وتسمع لشعراء، وأدباء، ومثقفين، لكن قلبك لا يجد مبتغاه بغير أمسية أدبية في فسحة من مكان وزمان، أتاحهما لك شعراء الكرك، ومثقفوها، وحتى المبدع لا يجد نفسه بغير جمهوره الذي يعرفهم ويعرفونه!
سائق الحافلة يعرفك، عامل الوطن يعرفك، البائع المتجول يعرفك، لمبات الشوارع، وأعمدتها تعرفك، فطالما استندت عليها لحظة انتظار!
القلعة، شارعها، متاحفها، دهاليزها، أدراجها، قاعاتها، (سائدها، وأسدها)، وصهيل خيلها، ووقع سنابكها، وحِداء فرسانها، (الكرك يا زينة صبوح عيّت على طلابها …
متربعة بين السحاب يغشى النجم مؤابها
بدم النشامى مطيبة ومعطرات ترابها)!
حتى صلاح الدين؛ ربما يعرفك!
حاراتها، أدراجها، مخابزها، وجوه المتسولين، ووجوه من ابتلاهم الله تعرفها، حتى وجوه العشاق، ومواعيدهم البريئة أمام (صخر) تعرفهم، وهم يعرفونك!
مقابرها؛ تعرف من رقد فيها آمنًا ساكنًا، وربما تتوقع أين ستكون زاويتك أو ركنك فيها!
تخرج من كل أحزانك، وتنحاز للحياة من جديد، فجريان نهر حبها يتدفق في شرايينك، وقلبك يؤوي كل تفاصيلها!
أنت خارجها مجرد رقم، وعابر سبيل، ومجهول الهوية، ولو عرفك القليل، أنت خارجها خارج دائرة الدفء، والضوء، والأمان، والسلام مع نفسك، أنت خارجها قلِق، غير مستقر، ولا متوازن، وتبحث عن أية فرصة، أومناسبة تعيدك إليها!
هل يعلم كل الذين يدعونني للسكن في غيرها؛ لماذا أنهي المكالمة، أو أغير موضوع الحديث؟!
يا سادتي:
للمدن أحاسيس مثل البشر، فهي تحب الأوفياء، والمخلصين، وتتأذّى من كل العاقين، والجاحدين، ومن يدير لها ظهره، فهل تريدون مني أن أترك شرفة الوجد التي أطلّ منها على ذاتي، ماضيّ، وحاضري، ذكرياتي، وأهلي، أحبتي، أصدقائي، وحتى أعدائي، ولا أجد روحي غير فيها؟!
هل تريدون مني أن أجرح إحساس الكرك، وأنا عاشقتها، وروحي تعلقت بروحها، وواثقة أنها تبادلني العشق ذاته!
فالقلوب لا تكذب أبدًا!

اقرأ ايضاً
أخبار عاجلة
برعاية وزير الشباب.. انطلاق بطولة غرب آسيا للجودو في عمّان بمشاركة 12 دولة منير حرب يكتب...منتخبنا الوطني بكرة القدم ... إلى أين ؟ مدير شباب إربد يتفقد عدداً من المرافق الرياضية والشبابية في المحافظة الكرمل يُتوَّج بطلاً لدوري الدرجة الأولى بالعلامة الكاملة بطولة الشركات السياحية: مليون يفوز باللقب على حساب نيشان منتخب الطائرة في معسكر "الألغاز"... غيابات وتأشيرات وتحكيم غائب وسهرات سوق واقف وتخبط مستشار الاتحاد... بيب غوارديولا مدرب يصنع المجد في الملاعب ويمنح ضمير العالم صوتاً جديداً فحماوي يحصد البرونزية في بطولة قطر الدولية المصنّفة G1 "نداء من الأغوار إلى وزير الشباب: فريق المشارع بلا صالة تدريب قبل أيام من الدوري الممتاز" نادي عيرا يثمّن دعم وزارة الشباب ويشيد بجهود الدكتور مازن أبو بقر سباق أندية لواء الشونة الجنوبية ينطلق السبت برعاية وزير الشباب بسمان يلتحق بركب الممتاز بعد فوز مستحق على فوعرا المدرب الأصغر عمر حرز الله… يقود يرموك الشونة للتألّق ويتصدّر مجموعته بثبات الفارس منصور فالح البنيان يتوَّج بالمركز الأول في سباق 100 كم دولي بوادي رم طلبة عمّان الأهلية يتألقون في دورة ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض ويضيفون إنجازات جديدة للرياضة الأر... مدير شباب إربد يتفقد عدداً من المرافق الرياضية والشبابية في المحافظة العدوان يرعى انطلاق بطولة غرب آسيا للجودو… والعواملة: جاهزون لاستقبال أبطال القارة اتحاد الكاراتيه: الكاتا ضمن الأولويات… وميزانية خاصة وخطة فنية لاستقطاب مدرب أجنبي اليوم منتخب تونس يخوض مقابلة ودية هامة ضد البرازيل بملعب بيار موروا في فرنسا تخريج الفوج الثاني لبرنامج المسار الوطني للشباب التقني "تكنو شباب" المدرب الأجنبي… بداية مرحلة جديدة في كرة اليد الأردنية حدثتني العصفورة… عن أستاذٍ يُدرّس من السماء! تعزيز الشراكة الرياضية… رئيس اتحاد ألعاب القوى يزور مؤسسة ولي العهد لبحث التعاون المشترك بدر تُشيد بتصريحات النائب نور أبو غوش حول دور الكشافة والمرشدات في بناء الشخصية مطالبات بترسيخ المهنية في بث دوري كرة السلة الأردني: المعلّقون والمحلّلون بلا عقود ولا أجور! طائرة الرجال… خيبات تتواصل في معسكر قطر وسط إصابات وغيابات وقرارات مثيرة للجدل "بطل العرب" د. عبدالعزيز رضا رئيسًا تنفيذيًا لمنتدى إدارة المخاطر الأردني عمر عبسي… الرامي الذي أُقصي رغم كفاءته معسكر الطائرة في قطر… قرارات ارتجالية ومزاجية مستشار! الإنجاز لا يُصنع بـ"أخذ الخواطر" ولا جوائز الت... تعاون رياضي–أمني يعزز تطوير ألعاب القوى الأردنية