سراب سبورت
مجلة رياضية

شوق وحنين … بقلم : د. منتهى الطراونة

 

لم تخلُ قرانا من المتعلمين، والعاملين في التعليم آنذاك، لكن الأكثرية كانت تأتي من خارج محافظة الكرك، أو من المدينة نفسها، وكانوا يضطرون للسكن في القرية؛ لعدم توفر المواصلات حينها، وربطتهم بالأهالي علاقة احترام كبير؛ إذ حرص معظم الناس على دعوتهم لبيوتهم وإكرامهم، في طقس مهم يمارسونه، إذ كان للمعلم مكانة كبيرة ومتميزة، (حتى أولئك الذين ليس لهم أبناء ذكور، أو ليس لهم أبناء مطلقًا؛ كانوا يدعونهم)؛ مما يعني أن الاحترام لم يكن مربوطًا بمصلحة أو هدف رخيص!

كنت أراهم يجتمعون يوميًا في دكان أبي، يتبادلون الأحاديث عن المدرسة، وعن أمور كثيرة تبينت لي مسمياتها فيما بعد؛ سياسة، أدب، فن، ومنهم سمعت أكثر عن فلسطين، واليهود، والتقطت اسم جمال عبد الناصر، وسيد قطب، وحسن البنا، وسمعت عن القومية العربية، وكنت أصغي لمناقشة العدد الكبير من الانقلابات على الحكم في الدول العربية؛ التي كانت تأتي أخبارها من خلال الراديو؛ الذي اعتادوا أن يلتفوا حوله، والذي ما زلت أذكر شكله، جهاز مستطيل بلون مثل لون السماء، بمقبض يتيح سهولة حمله، بمفتاحين، واحد للتشغيل والثاني للانتقال من محطة لأخرى، والكثير من الثقوب، وأظنها لتمكين الصوت أن ينطلق من تلك السماعات داخله، وضعه والدي على طاولة مكتب خصص له ركنًا أثيرًا، مكتب خشبي بلون بنّي غامق، له ثلاثة أدراج من كل جانب، تتوسطها مساحة صغيرة على شكل قوس، كنت أحشر فيها جسدي الصغير كل ذلك الوقت كي أستمع، وكثيرًا ما كان يلمحني أحدهم، ويتعمد إخافتي بحركة مفاجئة من مقدمة حذائه، تحدث طَرْقَة يسقط منها قلبي، لكنني أبقى ولا أغادر.

كنت أسمع كل الأحاديث مجردة، ولا أفهم التفاصيل، ولا أبحث عنها فكل ما يعنيني آنذاك؛ هو أن أشعر أنني مع أبي، وكأنني أحسّ أنه لن يطيل البقاء معنا، فقد رحل فجأة في سنّ صغيرة.

كان كل همي أن أنتظر عودته إلى البيت، لأسير بجانبه، وأحمل معه مفتاح الدكان الكبير المربوط بسلسلة فضية ما زالت تبهرني بتنظيم حلقاتها، ورائحة عطره التي علقت بها، إذ كان والدي مولعًا بالعطور (وورثتُ هذا عنه)، ولأحمل معه بعض أغراض طلبتها أمي، ونسيتُ معظمها، كنت أسير خلفه مهرولة أحيانًا، إذ كان يسبقني بخطواته الواسعة الواثقة، وعندما يتاح لي أن أعود لمكاني إلى جانبه بأنفاس لاهثة، أتوقف لحظة لأنظر إلى أعلى حيث يكون وجهه!

كبرت؛ وأصبحت أشبّه جلساتهم تلك بالصالونات السياسية، والثقافية، التي كانت تتم فيها مناقشة الحركات النهضوية في دول الوطن العربي كافة، وكانت تتردد فيها مفاهيم ومصطلحات فهمت معناها فيما بعد، وكانت تتردد فيها أسماء بهرني انسجام حروفها، وجرسها الموسيقي، وتلك الهالة التي نُسجت حولها (كذباً)، وتبينت عمالتها وخيانتها عندما توقف التاريخ ليسرد كل الذي كان!

ولشدّما كان يبهرني ويرضيني أن يتوقف والدي للحديث عن بناته بالاسم، وعن نيته لتعليمهن دون توقف عن ذلك مهما كانت الظروف، وأحيانًا يتوقف ليخرج ذلك الملف من أحد الأدراج يناوله أحد المعلمين؛فيه شهاداتنا، وبعض الإنجازات الصغيرة، يتحدث عنها بفخر كنت أراه في بريق عينيه، واختلاف نبرة الصوت.

ما زلت أحب تلك الجلسات، وأبحث عن مثلها، وحين تتاح لي سرعان ما أنصرف بقلبي في انصراف لا إرادي، وغير مبَرّر، أبحث فيه عن أبي، حين يتحدث بصوته العذب، وحركات يديه، وسيجارة يشعلها من ولاعة الرونسون المميزة، (التي آلت إليّ في معركة انتصرتُ فيها على كل من حاولوا الاستئثار بها) قبل أن يترك التدخين، وبمخارج بعض الحروف عنده حين ينطق القاف ممزوجة بالكاف، وكلمة كانت تلازمه كلما أنهى فكرة؛ يقول لمحدثه (سمعت)؟!

ما زلت هناك عالقة عند العطور والسلاسل الفضية والذهبية، والمفتاح الكبير، وذلك المذياع، وذلك الدرب أو الشريان الواصل بين بيتنا، ومتجره، وقلوبنا وقلبه.

ها أنذا يا أبي أعود كلما هزني الحنين إليك ل(رجم الصخري)، لتلك الدروب، والأزقّة، والوجوه، والأماكن، أبحث عنك (حيًّا)، في كذبة أكون فيها أكثر صدقًا…

صرفت نظري يا أبي عن أحاديث السياسة، والقوم، والتاريخ، والجغرافيا، والحب، والحرب والأشعار، والروايات، والأغنيات، ولم أعد أبحث عن شيء غير ذلك الأمان، وتلك الأحاديث، وذلك القلب الذي أثق أنه ما زال ينبض بحبنا، والحرص علينا، ومتابعة كل أمورنا، وهو تحت التراب ..

ألم أقل لكم إنني أكذب بصدق!!
*الصورة المرافقة ولاّعة أبي….

اقرأ ايضاً
أخبار عاجلة
خسارة كبيرة للمنتخب الوطني لكرة الطائرة "النصر"امام الفريق الكازاخستاني دورات تدريبية في الرسم ولياقة البدنية و برنامج مهاراتي في مراكز شبابية في إربد تجديد شهادة المفتاح الأخضر العالمية لمطعم سيليكا في أيلة مركز شابات الجدعا يعقد دورة تدريبية بالأشغال اليدوية مركز شابات أدر ينفذ دورة تدريبية في اللغة الإنجليزية ضمن برنامج "جسور التعلم" اختتام معسكر القيادة والمسؤولية المجتمعية في عجلون توظيف كرة القدم .. الاحتراف سياسية لا لعب ( جهال )..! .. كتب حسين الذكر ختام مثير لنهائي بطولة "الوفاء والانتماء للقائد المفدى"... المرحلة الأساسية العليا امام مجلس إدارة اللجنة الأولمبية..لماذا اوقفت"البارالمبية" لعبة كرة الهدف للمكفوفين ناشئين عيرا تألقوا وانتزعو فوزا مستحقا على نادي العودة بشر الفاعوري يعود إلى الكراتيه من بوابة العمل التقني نائب الرئيس الأمريكي يكسر كأس بطولة الجامعات لكرة القدم الأمريكية بطولة الريشة الطائرة في مركز شباب الشيخ حسين مدير شباب عجلون يتفقد مركز شباب عنجرة وشابات عنجرة النموذجي  أول نشاط رياضي للفتيات في صالة الأمير فيصل بالكرك ضمن حملة "رياضة وأمان" انتصارات أردنية مع انطلاق بطولة آسيا للواعدين والناشئين بالملاكمة وسط إهتمام إعلامي كبير... "الجزيرة ٢" أحدث الصروح الشبابية والرياضية بمصر يواصل التألق بإفتتاح الحم... الجعفري يتوج بالميدالية الفضية في "جولة القاهرة"من الدوري العالمي الممتاز للكراتيه حسين الذكر يكتب... رسالة للرئيس .. لعب (الطوبة) شيئا آخر ! انطلاق الدورة الرياضية الثالثة والعشرون للمدارس الأردنية "الاستقلال " أداء بطولي وخسارة مشرفة...لسيدات النصر في بطولة الأندية الآسيوية لكرة الطائرة ورشة تعريفية بالقرار 2250 في مركز شباب المنشية الإماراتي ثاني المهيري يتألق في باريس ويفوز بالإخضاع في "أبوظبي إكستريم 9"  مركز شابات الكرك ينظم نشاطاً حول الولاء بمناسبة ذكرى تعريب قيادة الجيش العربي السعودية مها الحملي تحقق المركز «الثاني عالمياً» في رالي الأردن تألق لافت للمواهب في اليوم الثاني من البطولة الإقليمية لرابطة أبوظبي لمحترفي الجوجيتسو قطيشات نائبا لرئيس الاتحاد العربي للكرة الطائرة...بالتزكية الشيخ على بن خليفة يفوز برئاسة الاتحاد العربي للكرة الطائرة بالتزكية تجديد الثقة بالمقبالي وانتخابه في منصب نائب رئيس العربي لكرة الطائرة الأردن يحتضن بطولة آسيا للواعدين والناشئين للملاكمة بمشاركة قارية واسعة