سراب سبورت
مجلة رياضية

بعض ذكريات… بقلم : د. منتهى الطراونة

 

تعجّ طرقات القرية وساحاتها؛ التي تسلمك إليها نهايات الأزقة الضيقة، بالصِبية الذين حررتهم المدرسة من قيودها للتوّ، معلنة بداية العطلة الصيفية؛ (المحددة بيوم معلوم لا يتقدم، ولا يتأخر، فكل شيء مضبوط آنذاك، لا فوضى، ولا اجتهاد)!

صِبية انتشروا ثم اجتمعوا، مثل أسراب طيور التقت أول مرة عند عين ماء تروي ظمأ طويلًا، يحمل الكثير منهم أوراقًا، معظمها قديم يعيدون تدويره، لصنع طائراتهم الورقية، وبقايا قطع قماش ملوّنة مستطيلة للزينة، والكثير من الخيوط المتينة، كي تحمل جسم الطائرة، وبعض أعواد خشبية يستند عليها الورق في هندسة بديعة، تحفظ التوازن، وتقاوم تقلبات الرياح، هندسة اكتشفوها بأنفسهم من التجربة، دون الاعتماد على أحد، فترى الطائرة تتهادى في الجوّ، وكأنها تؤدي رقصة اشتاقت إليها!

في عالم الطائرات الورقية في قريتنا وقتذاك؛ أعلام متخصصون ماهرون، يعرفهم الناس، ويتقرب إليهم أترابهم
الأقل مهارة كي يكتسبوا الخبرة، ويرجوهم الذين لا خبرة لديهم، بأن يصنعوا لهم الطائرة من الألف إلى الياء.
سوق، وعرض، وطلب، لكن دون ثمن مادي، بل كلمة شكر، و(دعم لوجستي) يعرفون نوعه وأهميته بطريقتهم، وبراءتهم دون إخضاع ذلك لمصالح وغايات.

ما يكاد اليوم أن ينتصف، حتى ينتهي الصِبية من المهمة، فترى سماء القرية ملأى بالورق المزركش الطائر، يتحرك بحرية، فلا أعمدة تعيقه، ولا أسلاك، ولا طائرات من أي نوع آخر، فالنقاء، والصفاء هو العنوان، إلا من بعض عصافير الدوري تطير هنا وهناك، ولا تخيفها تلك الطارئة على سمائها.

في عالم الطائرات الورقية؛ طبقيّة يحكمها تفاوت الارتفاع، وإتقان الصناعة، وجمال الورق، والزركشة، وليس أيّ شيء آخر؛ فبعضها لا تكاد تراه فقد اتخذ مسارًا شاهقًا، وبعضها يتوسط المسافة الفاصلة بين ذلك الخيط في يد الصبي، وبين سحابة صيف عابرة، وبعضها باءت كل محاولات صاحبها بالفشل كي تعلو فوق رأسه شبرًا؛ فتراه يصعد كومة حجارة، أو مِصطبة كي تسعفه!

مجموعات هنا وهناك، صيحات، وضحكات، معارك معلنة قد تصل إلى الاشتباك بالأيدي، سرعان ما تنتهي، وبعض عبارات لم أكن أفهمها، غير أنها تشي بالتميز، أو الفشل!

في محاولة الطيران الأولى بعد الانتهاء من العمل؛ يمسك أحدهم بجسم الطائرة المستدير، وآخر يقبض على عود خشبي التفّ عليه خيط ضخم، فأصبح في يده مثل كرة تميل إلى الاستطالة عند طرفيها.
تبدأ عملية ارتداد بسيطة إلى الخلف، من حامل الخيط وحامل الجسم في آن معًا، ثم يتقدمان بذات المسافة والسرعة؛ (فلكل فعل ردّ فعل)، ثم تتكرر المحاولة إن لم تنجح عملية الطيران، تطير حاملة على متنها؛ أحلامهم، وأمنياتهم!

يجلس صاحب الطائرة على حجر في استراحة محارب، في يده رأس الخيط بعد أن يسلم للرياح زمام مراقصة الطائرة؛ يَمنة، ويسرة، علوًّا، وانخفاضًا، من غير ضجيج، أو صخب، أو خلافات، كيف لا ، والفضاء يتسع للجميع، والأرض ملك لا يتنازعون عليه!

طائرات ورقية طيرها أطفال أبرياء تمنح سعادة وسلامًا، ليست مسيّرات صنعها عالم متوحش، تنقضّ عليك، تفتك، وتقتل، وتكشف الأسرار، وتجلب ما يذهب بعقول الناس من أرض الأشقاء، وترابهم، وسمائهم، ولا تعلم لماذا أُرسلت إليك!

ما زلت أتساءل؛ كيف كان الصِبية يقضون يومًا أو بعض يوم من غير طعام أو شراب، أو عودة قصيرة للبيوت، فهم يكتفون باللعب الذي اشتاقوا إليه، وانتظروه طوال العام!

يوشك قرص الشمس أن يتوارى في الأفق الغربي، ويحلّ الظلام معلنًا انتهاء يوم العطلة الأول، واعدًا بشروق شمس جديد .

أما أنا؛ فكنت أراقب من بعيد، وعليّ أن لا أطيل البقاء هنا، فأنا موعودة الليلة بتلك الزينة التي كانت طقسًا أثيرًا عندي وعند شقيقاتي؛ بسمة ورغد.

ننتظر العطلة بفارغ الصبر كي نخضب الكفوف الصغيرة بالحنّاء؛ وسيلة الزينة الوحيدة لنا آنذاك، فطالما اتعبتنا قيود النظام المدرسي، التي تمنع أي شكل من أشكال الانصراف عن الجدّ والدراسة، أنتظر الليل لأشتم عبق تلك المادّة السرّ في منطق طفلة مثلي، وأتعجب كيف تلوّن، وكيف يثبت اللون طويلًا على اليدين، وكيف تتقن أمي عجنها، ووضعها على كفوفنا، وربطها طوال الليل بقطعة قماش، لا تزعجنا، وتعقد هدنة مع الجسد بأن لا حكّ، ولا حركة زائدة؛ فننام نومًا هانئًا تحفّه أحلام وتساؤلات؛ كيف يكون جمال ذلك الصباح الملوّن بالحناء، المعطّر بأريجها، وقداستها، كيف لا وقد أحضرها الحجاج معهم من مكة أم القرى، التي كنا نعلم قدسيتها لدرجة أننا كنا نقسم بها إثباتًا للصدق!

أغرق في الخيال كل ذلك الوقت، وأستفيق على حسرة أنني لا أستطيع الانضمام لذلك العالم؛ الذي يمارس فيه الصِبية حريتهم، تطير أحلامهم، وأمنياتهم، ثم ترتدّ إليهم، عبر خيط يتقنون شدّه وجذبه!

لم أكن يومها أعرف فيروز لأغني معها:
طيري يا طيارة طيري ياورق وخيطان
بدي أرجع بنت زغيرة
على سطح الجيران
وينساني الزمان
على سطح الجيران..

لكن الزمان مضى، وكبرت، وما زلت عالقة هناك على سطوح كل الجيران الطيبين الذين أعرف أسماءهم، ووجوههم، وتفاصيل بيوتهم، وما زال قلبي يحتضن كل تلك الأسماء من أبناء قريتي، وما زلت أجوب طرقاتها، كلما هزني الحنين، وألقت الذاكرة أوراقها في وجهي، أبحث عن طائرة ورقية تخفف نسيمات ترسلها حرّ قلبي، ورائحة حنّاء تعطر الأجواء حال فكّ تلك القطعة من القماش عنها، ولونها الزاهي الذي تكشفه بضع قطرات من الماء، وفوق كل ذلك تبادل النظرات بيني وبين شقيقاتي في تنافس خفيّ لذيذ (أينّا زبطت حناؤها أكثر)! وقلب أمي يلهج بالدعاء بأن يحفظنا الله، وتكون أيامنا، ومستقبلنا أجمل وأجمل!
نعم يا أمي استجاب الله لدعائك وأكرمنا بالكثير من فضله، ورحمته، وعونه.

تعبت أيدينا يا أمي، وما نزال عالقات عند تلك اللحظة في انتظار فتح الكفّ، المخضبة بخضاب فيه بعض منك …

اقرأ ايضاً
أخبار عاجلة
برعاية وزير الشباب والرياضة وبحضور نخبوي ماراثون بيروت... ولادة مدينة تغلب موتها 15 ألف مُشارك يشهدون على أنّ خطّ النهاية ليس سوى انطلاق جديد الأولمبية الدولية ترفض طريقة وزير الرياضة لإعتماد تعديلات القانون الأهلي المصري يحقق أول انتصاراته تحت قيادة «النحاس» سحب قرعة بطولة العالم لكرة الطاولة قطر 2025 الحكم السوري الدولي ميساء هاشم ضمن قائمة أفضل 30 حكماً لإدارة بطولة العالم الصيفية للجامعات المنتخب الفلسطيني للأشبال للتايكواندو يكثف استعداده للمشاركة في بطولة العالم..في الأردن “أبوظبي إكستريم” تعلن إقامة بطولتها العالمية في موسكو للمرة الأولى مدير شباب الكرك يُجري زيارة تفقدية لمركزي شباب وشابات القطرانة ولمشاريع شبابية في المنطقة عقلة الخزاعلة يظفر بلقب ماراثون الاتحاد الرياضي العسكري امام د.نذير عبيدات...دكتور يرد على الهاتف بالمحاضرة....وغيره يدرس مواد لم يكن لاعبا فيها ؟؟!! من يتحمل مسؤولية هذا الإخفاق الكارثي؟ في البطولة الآسيوية للملاكمة لواء الجامعة بطل دورة الاستقلال الثالثة والعشرون لاعب المنتخب الأردني العسكري للماراثونات اسامة بني عطية يتوج بالميدالية الفضية متعافية من السرطان تحرس مرمى البايرن في «نهائي ألمانيا» رالي السعودية ينطلق الخميس في جدة بمشاركة 8 دول في عيد العمال.. تحية لمن يصنعون الحياة لجنة المسابقات تؤكد أهمية بطولات اتحاد غرب آسيا هذا ما حدث في إتحاد لعبة فردية..مديرة الاتحادات تشكل لجانه الفرعية "اليرموك" تحقق ذهبية التايكواندو على مستوى الجامعات الأردنية   بعد إدارته المتميزة للمرافق الرياضية والترفيهية بأمانة عمّان "المهندس احمد المهيرات مديراً لمنتزه ا... يوم توعوي في مركزي شباب وشابات عجلون بعنوان "لا للمخدرات.. نعم للحياة" منتخب الناشئين للملاكمة يحصد 7 ميداليات ببطولة آسيا الدكتور محمد نصرالله فرج يكتب ...خالد الحجاج قيادة إنسانية ختام دورة الصحة والسلامة المهنية في أمانة عمان السويحلي يصنع التاريخ ويتوّج ببطولة أفريقيا للكرة الطائرة لأول مرة الأمير فيصل يستقبل وفد مهرجان "الأمل والأحلام" وزير التربية والتعليم يرعى ختام دورة الاستقلال...غدا وقف لاعب التنس الأسترالي بيرسل 18 شهراً بسبب المنشطات فريق الأمن العام للجوجتسو يحصد الذهب في بطولة الدوحه الإقليمية