كافة الحقوق محفوظة © 2021.
الدين أخلاق و سلوك… بقلم : د. منتهى الطراونة
أنت غير متوازن نفسيًا؛ حين تفصل بين التدين والسلوك، تصلي، وتصوم، وتمارس كل العبادات؛ لكنك تظلم الناس، تغتابهم، تبهتهم، تنشر الشائعات فتبلغ الكذبة الآفاق، تحتال عليهم، تغشهم، ولا ترعى فيهم إلًّا، ولا ذمة!
حدثني أحدهم؛ أن شيخًا كان يصلي خلفه كل الصلوات، ولا يغيب عن واحدة، إلى أن جاء وقت الصلاة عليه في المسجد نفسه، قال؛ فجأة شقّت الصفوف امرأة لم نتمكن من منعها، ووقفت عند الجثمان، ورفعت يديها إلى السماء داعية؛ اللهم حرّم عليه الجنة، مثلما حرمني من الميراث، وانصرفت مسرعة، وعرفنا فيما بعد أنه والدها!
كم سمعنا من قصص توزيع هذا الميراث ظلمًا على قاعدة (محمد يرث، ومحمد لا يرث)، وكم شهدنا من تجاوزات، وتلاعب في التصرف فيه من بعضهم، وكأنه الوحيد الوارث، وكم تعدّى الناس حدود الله متناسين أنه سيسألهم عن مثقال الذرة فيه، ومتناسين الموت الذي ينقضّ على الإنسان فجأة، وفي غفلة، ودون استئذان!
وفي موقف آخر قال لي صديق؛ سنلتقي عند الثانية بعد الظهر، فجئت إلى الموعد بالضبط، وعندما حضر ورآني أنتظر (في وقت ارتفعت فيه درجة الحرارة في ذلك البلد إلى درجة تقارب الخمسين)، انكبّ يقبّل رأسي ويقول؛ ثلاثون عامًا وأنا أعمل في هذا البلد، لم يَصدق أحد في موعده!
وحدثني آخر؛ أنه كان يملك مصنعًا في الصين، وكان يأتيهم تجار متدينون، فيقترحون عليهم تغيير العلامة التجارية ليكتبوا على السلعة؛ صُنع في اليابان، أو في ألمانيا!
أما (أنا)؛ فما زلت (أقلع) شوك الصبر من (بكسة) تين ابتعتها قبل أيام، لم يأبه بائعها بوضع (تين) مكان (صبر)، وبتزيين وجهها بجيد الثمار، بينما ما تبقّى غير صالح للاستهلاك، في ثقافة غِش تقول (عليك بوجه البكسة)!
وما زلت أعاني من غِش أحدهم (أقسَم بأنه الأول في الصنعة على مستوى الكرك في تركيب (مظلات قرميد) يذيقنا الأمرّين شتاءً وصيفًا!
ومن غِش مصنع بلاط (لصديق العائلة) أقسَم أنه من أرقى الأصناف، وتبين أنه من أكثرها رداءة!
والأدهى من كل ذلك، والأكثر وجعًا للقلب، أنك تثق بأحدهم وتستأمنه، فتحكي له كل ما في نفسك، وما تفكر به حول قضايا أحيانًا ليست مهمة؛ لتجد كل ذلك منشورًا بطريقة أو بأخرى، ومتحورًا ضدي لصالحه، فيدير الناس ظهورهم دون أن يتبينوا!
كل يوم نعاني من الغدر، والجحود، والتلّون، والكذب، والتخلّي، وكان أصحابها أقسموا أغلظ الأيمان على الوفاء!
الدين خُلق، وتقوى، وإيمان وقَرَ في القلب، وصدّقه العمل، هو سلوك والتزام، من غير فجوة بين قول وفعل.
لا تهمني طقوسك، ولا تعنيني، إن لم تصرف عني أذاك.