كافة الحقوق محفوظة © 2021.
ضحكات دبلوماسية .. تندرات في السياسة الامريكية .. !… حسين الذكر
في تعريف إسلامي جميل للربط بين الدين والسياسية يربطه بالحكمة التي تقول : ( عليكم بتقوى الله وتدبير شؤون دنياكم ) .. فالتقوى دين والتدبير سياسة .. أي ان كلاهما مترابطان ولا يمكن الفصل بينهما من ناحية الفرد – وهذا لا يعني التدخل بشؤون السياسية والحكم والانخراط بالمعارضة – بل ان تكون حرا بعبادتك واتصالك بالسماء بما يجعل منك انسانا صالحا مفيدا للمجتمع والنفس .. وان تكون على وعي بما يحيط بك بصورة ترفعك من طوابير الحمير والتجهيل والاستغلال فان أي استحمار يقع عليك ما هو الا دليل على عدم الارتباط الصحيح بدنياك واخرتك .
يقول واصف عواضة الصحفي اللبناني الذي رافق العلامة محمد مهدي شمس الدين في زيارته التاريخية الى الولايات المتحدة عام 1995 بان في أمريكا منذ دخولها حتى خروجها لا يسمح لك تدخين سكارة واحدة علنا اطلاقا فان جريمة الاغتصاب هناك تعد اهون من التدخين في الأماكن الممنوعة وان قوى المجتمع هي من تمنعك وتحاربك في ذلك قبل مؤسسات الدولة المعنية .. وهذا يدفعنا للسؤال عن الأسباب الحقيقية التي جعلت التدخين والاركيلة والمخدرات تعصف بعالمنا العربي برغم سيطرة أمريكا والعالم الغربي عليه حد الهيمنة وفي اغلب ملفاته سيما الحيوية منها .
يضيف عواضه بانه بالرغم من سيطرة اللوبي اليهودي على اهم متركزات قوى القرار الأمريكي الا انه لم ير بعينه عنوان او لافتة تحمل اسم اللوبي اليهودي في اميركا . فالامور تمشي بهدوء وتركيز وعناية وتتم بأفضل المخرجات بلا ضجيج وتتمثل قوة التاثير الإسرائيلي على على مرفقين أمريكيين مهمين هما البيت الأبيض والكونغرس .. وتتمتع بقوة وتتدخل بشكل اقوى من خلال جامعة جورج تاون الامريكية الشهيرة العريقة التي تاسست عام 1798 وهي متخصصة بتخريج السياسيين والدبلوماسيين سابقا وحاليا وتكاد تخضع للسيطرة الإسرائيلية المطلقة من خلال عدد الموظفين والباحثين والأساتذة اليهود او المتعاطفين معهم لدرجة تجعل اغلب المتخرجين يخذوا طريقهم مباشرة الى العمل في مراكز القرار والسلطة والأجهزة التنفيذية الامريكية بكل بقاع العالم .. حتى اصبح الحديث بين السياسيين الامريكيين ودبلوماسييها تحديدا بتندر واضح حول تدخل وهيمنة اليهود على القرار الأمريكي .. اذ جاء ببعض ما كتبه النائب الأمريكي السابق بول فندلي عام 1985 في كتاب ( من يجرؤ على الكلام ) والذي يبين فيه مدى تاثير سطوة اليهود في اميركا وقوة سيطرتهم التي تمثلها منظمة ( ايباك ) بأفضل صورها واكثر تجلياتها وهي منظمة للتعاون الأمريكي الإسرائيلي العام .
كتب السفير الأمريكي السابق في السودان دون بيرغسون يقول : ( كنا في وزارة الخارجية الامريكية نتندر بانه اذا اعلن رئيس وزراء إسرائيل يوما ان الأرض مسطحة .. اصدر الكونغرس الأمريكي خلال 24 ساعة قرارا يهنئه فيه على هذا الاكتشاف) . فيما قال سفير امريكي اخر : ( اذا كان عندي ما اريد ابلاغه لوزير الخارجية الامريكية .. ولا اريد ان تعرف به إسرائيل .. فلن افعل حتى التقيه شخصيا ) . لدرجة يفهم من ذلك مدى سيطرة اليهود المطلقة على الاتصالات والتواصل العالمي وليس الأمريكي فحسب .
محمد حسنين هيكل ذلك الشخص المثير الذي قضى جل عمره ( 93) يوجه الفلسفة السياسية المصرية والعربية ويقود الاعلام السياسي المصري ويرمي بظلاله على العالم العربي والدولي .. والذي تولى مناصب قيادية استشارية كبرى وخطيرة في تاريخ مصر وما فيها من تاثير على سياسات وطننا الكبير والمحيط وقد عاشر تقريبا ستة من اشهر رؤساء جمهورية مصر العربية بعد ثورة أكتوبر وقبلها مع اخر ملوك مصر .. يذكر ما يذكره في كتاب ( المقالات اليابانية) الذي جمعه وطبعه عام 1997 واعيد طبعه ستة مرات .. واظهر فيه قدرته وامكاناته الا محدودة بزيارة ولقاءات اغلب قيادات العالم السياسي المؤثر وتاثيره عليهم واطلاعه على كل صغيرة وكبيرة .. شاردة وواردة علنية وسرية في السياسة .. وذلك واضح لكل من يجيد القراءة ويعي ما بين السطور الظاهرة وليس الخفية فحسب .. يقول هيكل – رحمه الله – في سنة ١٩٧٤ زارني في مكتبي بالقاهرة نائب رئيس الوزراء الياباني میکى الذي شغل منصب رئيس وزراء اليابان لاحقا وكان قلقا من آثار استعمال البترول العربي كسلاح في ظروف حرب أكتوبر 1973 وفى أعقابها ، وقد سألت «ميكى» وقتها بما مؤداه أنتت تتفهم حاجة اليابان إلى بترول الشرق الأوسط ، ولا بد بشكل ما من ضمانها – خصوصا وأننى كنت أحس أن هناك جهات تضغط من أجل تطبيق حظر بترولى عربي كامل على اليابان. يضيف هيكل قائلا – أتذكر – وقد كنت وقتها عضوا فى المجموعة التى توجه استراتيجية استعمال البترول العربي كسلاح – أن واحدا من أشهر واقوى وزراء البترول العرب جاءني ملحا يطلب وضع اليابان فى قائمة الدول التى يطبق عليها حظر البترول العربي، وقد سألته : لماذا اليابان وهى لم تأخذ موقفا معاديا من القضايا العربية ؟.. فكان رده : (الحقيقة أنني أشتهي معاقبة هؤلاء الناس الذين يعتقدون أنهم أقدر على منافسة كل الناس) . يختم هيكل استنتاجاته بان معركة البترول العربي بحقيقتها تحولت الى مجرد قضية أسعار دفع تكاليفها البعض – واكيد عربي – فيما قبض أرباحها اخرين – واكيد ليس عرب – دون ان يكون لتلك النتائج والأرقام البترولية الضخمة والمثيرة والشهيرة أي فائدة لقاضيا العرب عامة .
في صفحة أخرى من التندر الأمريكي الرسمي .. يقول فندلي : ( في حرب 73 طلبت إسرائيل دبابات فارسلت لها اميركا دبابات قديمة كانت تعمل بعيار 90 ملم .. واكتشف الاسرائيليين عدم وجود ذخيرة لها عندهم فطلبوا من رئاسة الأركان الامريكية ذخيرة .. فبحثت وزارة الدفاع وهيئة الأركان عن ذخيرة فلم يجدو في مستودعات الجيش الأمريكي كله .. فبلغوا ذلك للقيادة الاسرائيلية باسف واعتذار .. بعد أيام أبلغهم الجانب الاسرائيلي بانه توجد كميات من هذه الذخيرة تصل 15 الف قذيفة في مستودع للمشاة في هاواي .
في كثير من الأحيان اقرا لافضل الكتاب العرب المتخصصين في السياسة واغلبهم اما عمل او كان يعمل بالسلك الدبلوماسي او من اشهر صحفي بلدانه المقربين من السلطات .. وقد لاحظت انهم يكتبون ويقرؤون المشهد العالمي بذات الطريقة التي كانوا يعملون بها سابقا .. أي انهم ما زالوا يرون المشاهد كما يريده منهم المسؤول الذي عودهم على ذلك من خلال عملهم كمرؤسيين عنده .. وليس كما تختمر الخبرة والسنوات الطوال وتغير الظروف والاحداث وتتطلب الحقيقية .. وهنا مشكلة تبعية خطيرة وأزمة حقيقية ترمي بظلالها وضلالها على المتلقي العربي ..
في هذا الجانب أتذكر في ملاحظة كتبتها قبل مدة لاحد الأصدقاء من الدبلوماسيين العرب وهو يمارس الكتابة والتاثير في الراي العام العربي وفقا لثقافته وخبرته وسطوته من خلال موقعه وربما على طريقة جورج تاون .. كانت ملاحظتي ردا على ما سيأول اليه الوضع العربي مع الاسرائيليين مباشرة ومع الولايات المتحدة والعالم الغربي بشكل غير مباشر : ( علينا قبل الخوض في أي تحليل او يتعلق بموقف او ازمة راي عامة كبرى وما له علاقة بمصالح العالم الغربي والدول العظمى .. ان نفكر مليا وان نقارب الوضع من ثلاث نقاط قبل الحكم والنطق فيه .. أولا ان كل ما يجري في العالم ويتعلق بالراي العام العالمي هو من تدبير الاخر .. ثانيا.. ان السيناريو المطروح عبر وسائل الاعلام وما نخوضه هو حتما ضمن قواعد وتخطيط وبصمة الاخر . ثالثا – ان كل المخرجات او اغلبها يجب ان تصب في صالح الاخر مباشرة او غير مباشرة .) . .. فرد علي الصديق بشكل غير مريح مع غضب وتهكم قائلا : ( انك تضعنا بحيرة اكبر لأننا لا نعرف من هو الاخر المقصود .. كما تريد منا ان نسكت وننتظر الاخر بتاعك ) .. فاجبت بهدوء : ( الاخر .. هو المسيطر على مقدراتنا ويهاجمنا على طول الخط منذ الاسكندر المقدوني وربما قبله مرمروا بهولاكو .. وحتى بوش وربما ما بعده ) .