كافة الحقوق محفوظة © 2021.
لماذا يحبون الملك؟ …. بقلم: جهاد مساعده
في عالمٍ مليءٍ بالمتغيرات، يبقى هناك قادةٌ لا يتبدلون، بل يزدادون رسوخًا، ويثبتون في كل موقفٍ أن القيادة ليست لقبًا، بل مسؤوليةٌ والتزامٌ ووضوح. نحبه لأننا نرى فيه الحكمة حين تشتد التحديات، والشجاعة حين تتطلب المواقف الحسم، والذكاء حين يكون الرد ميزانًا بين الصلابة والاتزان. لم يكن يومًا بعيدًا عن شعبه، بل كان في قلب المشهد، متقدمًا في الرؤية، قريبًا في الإحساس، ثابتًا في المبادئ.
لهذا نحبه، لأنه حين يتكلم، يكون حديثه مرجعًا، وحين يقرر، يكون قراره موقفًا، وحين يواجه، يكون في المقدمة. نحبه لأننا حين ننظر إليه، لا نرى فيه زعيمًا يراوغ في حديثه، ولا قائدًا يُجمل كلماته ليكسب ودّ الآخرين، بل نرى رجلًا يقول الحق كما هو، بلا وجلٍ ولا تردد، فتصبح كلماته حدًّا قاطعًا، وجوابًا كافيًا، وموقفًا ثابتًا لا يتغير مع الأيام.
لأن القادة الحقيقيين لا يُقاسون بعدد الأوسمة التي يحملونها، بل بقدر الثبات الذي يظهرونه عندما تعصف الأزمات، وبحجم الأمل الذي يغرسونه في قلوب شعوبهم. نحبه لأنه قائدٌ لم يأتِ ليملأ فراغ السلطة، بل ليصنع الفارق، وليكون في مقدمة الصفوف حين يشتد الخطب، فلا يوارب في حديثه، ولا يلتف حول الحقائق، بل يجعل كلماته أشبه بالسيف، إذا خرجت وضعت الأمور في نصابها، بلا مواربةٍ أو مجاملة.
ليس في قاموسه التردد، ولا في نهجه الالتفاف، بل هو رجل الموقف الصريح، والكلمة الحاسمة، والرؤية التي لا يحجبها ضباب المصالح. نحبه لأنه لم يكن ملكًا بعيدًا عن شعبه، بل كان في قلب المشهد، في عمق الميدان، حيث يكون التحدي أكبر، والمسؤولية أعظم.
وحين يتعلق الأمر بفلسطين، فإنه لا يساوم، ولا يهادن، ولا يهادن من يساوم. إنها ليست عنده ملفًا سياسيًا يُفتح حين تقتضي المصالح، بل هي عقيدةٌ راسخةٌ كجبال الأردن، وقضيةٌ ممتدةٌ بامتداد إرثه الهاشمي. في كل محفل، يكون صوته أعلى من محاولات التناسي، وأشد وضوحًا من تعقيدات السياسة، فهو لا يتكلم بعباراتٍ منمقة، بل يخاطب العالم بلغةٍ لا تحتمل التأويل. موقفه واضحٌ لا يخفى، وثابتٌ لا يتغير، فلا مساومة على القدس، ولا تراجع عن الحق، ولا صمت حين يُراد للصوت أن يخفت.
أما في السياسة، فلا يحتاج إلى الاستطراد، ولا يُغرق في الكلام ليشرح موقفه، بل يختصر القول فتكون كلماته حدًّا فاصلاً بين الحقيقة والادّعاء، وبين الحزم والتردد. حين يحاول أحدٌ أن يضعه في موقفٍ محرج، يكون جوابه قاطعًا، واضحًا، لا يترك مجالًا للمناورة. إذا سُئل أجاب، وإذا تحدث أوجز، فلا يفتح بابًا يُستغل، ولا يترك ثغرةً يُتلاعب بها. كل حرفٍ عنده بحساب، وكل عبارةٍ محسوبةٌ بميزان، فلا إفراط في الكلام، ولا مواربةٌ في المواقف.
أما ذكاؤه السياسي، فهو البوصلة التي تُوجّه دفة السفينة حين تضطرب الأمواج، وهو المعيار الذي يجعل حتى أكثر السياسيين دهاءً يقفون أمام منطقه موقف المتعلم أمام المعلم. في حضرته، تصبح المراوغات مكشوفة، والمناورات قصيرة الأمد، لأنه لا يتحدث ليجامل، بل يختصر الجواب فتكون كلماته حدًّا فاصلاً بين الحقيقة والوهم، وبين القوة والتردد. من أراد أن يحرجه، وجد نفسه في موقف المُحرج، ومن ظنّ أنه قادرٌ على تطويقه، أدرك أنه كان يواجه رؤيةً أوسع، وحكمةً أعمق، وذكاءً لا تلتقطه الحسابات التقليدية.
نحبه لأنه لم يكن يومًا بحاجةٍ إلى أن يُثبت قوته بالصوت المرتفع، ولا بالوعود الفضفاضة، بل كان منطقه وحده كافيًا ليُخرس محاولات التشكيك، ويُحبط رهانات المراوغين. حين يتحدث، تصمت الحسابات الصغيرة، وحين يقرر، لا يتردد، وحين يتحرك، يكون قراره درسًا في الحكمة والقوة معًا.
لهذا نحبه، لأنه حين يكون القادة الآخرون منهمكين في تدوير زواياهم، يكون هو في خطٍ مستقيمٍ نحو الهدف، لا يحيد عنه قيد أنملة. نحبه لأنه رجل العهد والوفاء، رجل الصدق والاتزان، رجل القوة والحنكة. نحبه لأننا حين نبحث عن قائدٍ يحمل الراية بثبات، ويقف أمام العواصف بجسارة، ويمضي نحو المستقبل بثقة، نجد أنه هو الإجابة، وهو النموذج، وهو القائد الذي لا تُغيره الأيام، ولا تُزعزعه التحديات، ولا تضعف عزيمته الرياح العابرة.
هو الملك عبدالله الثاني، زعامةٌ تجسّدت في المواقف، وثباتٌ اختبرته الأزمات، وحكمةٌ لم تهتز أمام الصعاب. فالزعامةُ موقفٌ، والموقفُ حسمٌ، وهو القائد الذي لا يحتاج إلى أن يرفع صوته ليُسمع، ولا أن يفسر كلماته لتُفهم، ولا أن يكرر مواقفه لتترسخ، فهي واضحةٌ كالشمس، ثابتةٌ كثبات الجبال، مضيئةٌ كما يليق بقائدٍ يُلهم ولا يُقلَّد. هو الملك الذي كلما تحدث، كان الرد الوحيد: صدقت.