كافة الحقوق محفوظة © 2021.
جهاد مساعده يكتب.. مشانق على حبال الـ Wi-Fi
في البدء كانت الكلمة…
ثم جاءت التعليقات، فماتت الكلمة.
لا أحد ينجو هنا.
تكتب “صباح الخير”، فيقولون: خائن.
تضحك في عزّ الكارثة، فيقولون: مهرّج.
تصمت… فيقولون: جبان.
تتكلم… فيقولون: مأجور.
يا نجوم الفتن وتجار اللايكات،
اخلعوا نعالكم من عقولكم قبل دخول فيسبوك،
فالصفحة الأولى صارت محرابًا للشتائم،
والثانية مشنقة،
والثالثة فخٌّ من أسلاك رأيٍ عامٍّ متوتّر.
هنا لا يُصلب الناس على خشب، ولا يُشنقون في الساحات،
بل يُسحقون في مربّع تعليق،
في ترندٍ عابر،
في صورةٍ مقصوصة،
في مقطعٍ بلا صوتٍ ولا سياق.
يا أبناء البلاد التي تفتح الهاتف قبل أن تفتح الكتاب،
يا من تستيقظون على إشعار، وتغفون على شتيمة،
لِمَ هذا الجوع للفضيحة؟
لِمَ هذا التلذّذ بالسقوط؟
من أي بئرٍ تشربون الغضب؟
من أي مستنقعٍ تصطادون الحقد؟
أنتم لا تنتقدون…
أنتم تُشرِّحون.
لا تُناقشون…
أنتم تَرجُمون.
لا تُحلّلون…
أنتم تَزِنون الناس بميزان الشكّ والشماتة.
قالوا: تواصُل اجتماعي؟
أيّ تواصُل؟
هذه حرب بلا رصاص،
عِراك بلغة HTML،
وهويّاتٌ مزوّرة تطعننا باسم الوطن،
ثم تهرب بـ”لايك”!
يا من تُقتَل الكلمة بين أيديكم إن كُتبت،
ويُدان الصمت أمامكم كأنه جريمة،
وتاريخنا لا يُدوَّن إلا في خانة التعليقات…
كيف نُشفى منكم؟
كيف نُربّي أبناءنا في هذا المذبح المفتوح؟
من يحمي البسطاء من قنابل “الريتويت”؟
من يحرس أرواحنا من الشائعة والشماتة والتكذيب؟
نحن لم نعد نخاف من الموت،
بل من أن نموت في “ترند”،
أن تُصادَر ذاكرتنا بجملةٍ مبتورة،
أن يبكونا بسخرية… ويترحّموا علينا بـ”إيموجي”.
كفى…
كفّوا أيديكم، وهواتفكم، ونواياكم…
ليس كلُّ من يُخطئ يستحق الإعدام،
ولا كلُّ من يصمت مذنب،
ولا كلُّ من يُخالفكم عدوّ!
كفّوا… فالحرية لا تُمارَس بالذبح،
ولا الوطنية تعني أن نكون قضاةً في قاعةٍ لا تعرف الرحمة.