كافة الحقوق محفوظة © 2021.
إسراء امضيان الدهيسات تكتب… صناعة الحقيقة في العالم الرقميّ: حينما يُضلّ الإنسان خوارزميّاته”
في عصرٍ يفيض بالمعلومات ويعتمد على الخوارزميات في كل جانب من جوانب الحياة، يُخَيَّل إلينا أنّ الحقيقة أصبحت أكثر وُضوحًا من أيّ وقتٍ مضى، فالأرقام لا تكذب، والخوارزميات تُبنى على منطقٍ صارم ودقّة مُتناهية، ومع ذلك يظلّ السؤال الأهم: لماذا تتزايد الشُكوك والضّبابية حول ما هو “حقيقيّ” رغم كل هذا التقدّم؟!
الحقيقة أنّ الخوارزميات مهما بلغت من تطور، لا تعمل في فراغ، إنها أدوات يصنعها البشر، يُغذّونها بالبيانات، ويُوجّهونها بوعيٍ أو بغير وعي نحو غاياتٍ معينة، وفي هذا الإطار تظهر المفارقة: البشر هم من يُشوّهون الحقيقة، لا التّكنولوجيا.
لقد أصبحت الحقيقة وجهًا واحدًا يُفضل النّاس الالتفاف حوله بدلًا من مُواجهته، وجهًا صافيًا لا يُحبّذونه لأنه لا يخدم مصالحهم ولا يتماشى مع أهوائهم.
في العالم الرقمي، تتحول المسلّمات إلى وجهات نظر، وتُعاد صياغة الوقائع وفق ما يناسب الخطاب العام أو المصلحة الخاصة، فالمعلومات تُقَصّ وتُركّب لتصنع “حقائق” بديلة، تُنشر وتُكرَّر حتى تصبح في نظر البعض واقعًا لا جِدال فيه، هذه الظاهرة لا تعود إلى خطأ تقنيّ بقدر ما تعكس أزمة إنسانية في تقبّل الوضوح والشفافية.
ربّما حان الوقت لنُعيدَ التّفكير في مسؤوليّتنا كبَشر لا كمبرمجين فقط في حفظ الحقيقة، ولنتمسّك بقيمِنا وأبجديّاتنا التي نشأنا عليها، فالعالم الرقميّ لا يُنتج الكذب من تلقاء نفسه، بل نحن من نزرع فيه بذور التّزييف، الخوارزميّات دقيقة، لكنّ صدقها مرهونٌ بصدقِنا، وضبابيّتها تعود إلى ضبابيّة شخصيّاتنا وشكّ وضوحها.