كافة الحقوق محفوظة © 2021.
أسراء الدهيسات تكتب … “فقّاعاتُ الشُّهرة: مُسمّياتٌ وهميّةٌ وهواءٌ فارغٌ في عالمٍ بلا مضمون”
“فقّاعاتُ الشُّهرة: مُسمّياتٌ وهميّةٌ وهواءٌ فارغٌ في عالمٍ بلا مضمون”
في عصرنا الرّقميّ، أصبحت الشُّهرة سلعة سهلة المنال، لا تتطلّب عِلمًا ولا ثقافة ولا حتى مُحتوى ذا قيمة، يكفي أن يحمل أحدهم هاتفًا بكاميرا، أو ينطق بعبارةٍ مُثيرة، حتى تتوالى عليه المتابعات وتنهال عليه الألقاب، فيُصبح “خبيرًا” أو “صانع محتوى” أو “مُؤثرًا”، دون أن يملك أدنى مؤهل حقيقيٍّ يُؤهّله لتلك المكانة.
هذه الشّهرةُ ليست سوى فُقّاعاتٍ ضخمةٍ من الهواء، تنتفخ بالكلمات الرّنّانة والصّور المُفلترة، لكنّها تخلو من أيِّ جوهرٍ حقيقيّ، أدواتها الأساسية هي الجدل، المبالغة، والإثارة المصطنعة، مَنْ يملك موهبة لفت الانتباه أصبحَ نجمًا، حتى وإٍنْ لم يُقدّم شيئًا سوى الضّجيج.
ومِنْ أبرز مظاهر هذا الزِّيف، أنَّ المُدّعي بالشُّهرة كثيرًا ما يسعى لرفع مقامه بصورةٍ تجمعه مع شخصية معروفة أو مسؤولة، دون أي مضمون أو هدف من اللِّقاء، سوى التَّفاخر والمباهاة، يظنُّ أنَّ تلك الصّورة ستعلي من شأنه، وأنّ مُجرّد الظّهور بجانب شخصيّةٍ مُهمّة سَيُكسِبُه احترامًا أو مصداقيّة، بينما في الحقيقة، لا تخدم هذه الصورة وطنًا، ولا تقدمُ فائدةً للمجتمع، ولا حتى تضيف له شخصيًا شيئًا ذا قيمة.
والأدهى من ذلك، أنّ كثيرًا من هؤلاء يندرجون تحت أنماطِ شخصياتٍ تعيش وهمَ الأهمية، وتتوهّمُ أنّها مُقدَّرةٌ ومحبوبة، فقط لأنّ أرقام المتابعين ترتفع، أو لأنّ أضواء الشُّهرة تسلّطت عليهم لفترة، هم يُصدّقون تلك الصّورة التي رسموها عن أنفسهم، فيعيشون في فُقّاعةٍ من الغرور الذّاتي، يظّنون معها أنّهم أصبحوا رُموزًا، بينما هم مُجرّد ظواهر مُؤقّتة لا تَتْرك أثرًا حقيقيًا.
لكنّ الحزن الحقيقيّ، والألم العميق، يكمن في شبابنا الذين باتوا أسرى لهذه الفُقّاعات، يتأثّرون بها وينساقون خلفَها، فلا يُميّزون بين الجوهر والمظهر، ولا بين من يستحقُّ التّقدير، ومن يُجيدُ فقط التّلاعب بالصورة والكلمة، شبابٌ يُقلّدون دون وعي، ويُعجبون دون تمحيص، فيتّخذون من هذه النّماذج الوهمية قدوة، فيغيب عنهم النّموذج الأصيل والمضمون الحقيقيّ.
الخطيرُ في الأمر أنّ الجمهور، في كثيرٍ من الأحيان، يُصدق هذه المُسمّيات الوَهميّة، ويمنح أصحابها سلطة التأثير، دون وعي بمخاطرها، يُستفتى “المؤثر” في الصحة، وتُقتبس آراؤه في التّربية، ويُستَشَهدُ بكلامه في السّياسة أو الدِّين، بينما هو لا يملك من العلم شيئًا، سوى مهارة الظّهور والتّكرار.
إنّ أدوات الشّهرة اليوم لا تُقاس بالإبداع أو المعرفة، بل بعدد المشاهدات والإعجابات. وهكذا، أصبح السّطح يُغني عن العمق، والمظهر يُغني عن الجوهر.، وللأسف، في عالم يُمجِّد الواجهة، تذوب القيم الحقيقية وتختفي الأصوات الصّادقة خلف زيفٍ لامع لا يدوم.
فهل آنَ الأوان أن نُعيد تقييم من نُطلق عليهم “مشاهير”؟ وهلْ نستفيقُ من خدعة المُسمّيات لنُميّزَ بين من يملك المضمون، ومن لا يملك سوى هواء في فُقّاعة؟ وهل نُعيد لشبابنا البوصلة التي تُرشدهم نحو القدوة الحقيقية؟