كافة الحقوق محفوظة © 2021.
د.زياد الرميلي يكتب …رحيل الروح: حين يغيب الأب والأم ويبقى الأثر
رحيل الروح: حين يغيب الأب والأم ويبقى الأثر:
في لحظة ما من العمر، تتوقف الكلمات، ويعجز التعبير عن احتواء الألم. فقدان الوالدين ليس حدثاً عابراً، بل زلزال يهز أعماق الروح، ويترك فراغاً لا يملأ، مهما امتلأت الحياة بالناس والنجاحات.
قبل أربع سنوات، غاب أبي وغابت معه حكايات الحنان والرجولة، غابت النصيحة الهادئة، والدعوة الصادقة في جوف الليل، غاب ذاك السند الذي إن اشتدت الدنيا ضاق عليك ظلها، وقف هو كالجبل ليحميك من عواصفها. واليوم، منذ أسبوعين، لحقت به أمي تلك التي كانت بيتاً قبل أن يكون هناك بيت، ودفئاً قبل أن يكون هناك غطاء، ورضاً يُضيء العمر حتى في عز العتمة.
كان والدي رحمه الله رجلاً ملتزماً بدينه، لا تغيب عنه صلاة ولا تفوته فرصة لمد يد الخير. علمني بسلوكه قبل كلماته، أن القرب من الله ليس مجرد طقوس، بل حياة تعاش بكل تفاصيلها. وكان كريماً، لا يُسأل إلا أعطى، يحب الناس، ويؤثرهم على نفسه، وكأن سعادته لا تكتمل إلا برسم البسمة على وجوه الآخرين.
أما أمي، فكانت مرآة الرحمة تمشي على الأرض. طيبة القلب كأن قلبها قطعة من الجنة، تحمل هم الناس وكأنها أُمهم جميعاً، تطعم الجار، وتسأل عن المحتاج، وتفرح لأفراح الناس أكثر مما تفرح لأفراحها. عاشت دينها خلقاً عملياً، لا ترفع صوتاً، ولا تسخط رزقاً، ولا تؤذي أحداً بكلمة، فكيف لا تكون قدوة، وهي من زرعت فينا حب الله وحب الناس؟
اليوم، أعيش اليتم مرتين لكنني لا أجزع، بل أتذكر قوله تعالى: “إنا لله وإنا إليه راجعون”، وأتعلق باليقين أن ما عند الله خير، وأن دعائي لهما، وبري بهما بعد رحيلهما، هو الصلة التي لا تنقطع.
رحيلهما لم يطفئ نورهما، بل زادني إيماناً بأن أهل الخير لا يموتون، بل يظل أثرهم حيّاً، في دعوة محتاج، في صدقة جارية، في علم نافع، وفي قلب ابن أو ابنة يحفظ سيرتهم ويرجو لهم الفردوس.
اللهم اجعل أبي وأمي في أعلى عليين، واجعل قبريهما روضة من رياض الجنة، وارزقني برهما في حياتي وبعد وفاتهما، ولا تحرمني لذة اللقاء بهما في مستقر رحمتك. ورحم الله من فقد منكم والديه أحبتي وجعل مثواهم الجنه وأطال الله أعمار آباءكم وأمهاتكم من هم على قيد الحياة في طاعة الله وأمره ودمتم سالمين غانمين.
جمعتكم طيبة ومباركة
محبكم زياد ارميلي