كافة الحقوق محفوظة © 2021.
الرياضة الأردنية بين “أم فيصل” و”أم صفوان”: حين تصنع الوطنية الإنجاز وتتهدد البيروقراطية المسار
كتبت : ريما العبادي
نعيش اليوم نشوة الإنجاز الكبير الذي حققه منتخب النشامى بتأهله التاريخي إلى نهائيات كأس العالم 2026، في لحظة فرح غامرة رفعت اسم الأردن عاليًا وأثبتت أن الإرادة يمكنها أن تتجاوز كل التحديات. هذا الإنجاز العالمي لم يأتِ من فراغ، بل كان ثمرة جهد جماعي، يقوده إيمان عميق من القيادة والرياضيين والشعب معًا.
وإن كان لا يختلف اثنان على أن الروح الوطنية العالية التي بثّها ولي العهد، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، في نفوس اللاعبين كانت عنصرًا حاسمًا في هذا الانتصار، فإن الحديث عن الإنجاز لا يكتمل دون الإشارة إلى دور السيدة سمر نصار (أم فيصل)، التي أظهرت كفاءة عالية في قيادة اتحاد كرة القدم، وأثبتت أن المرأة الأردنية قادرة على البناء والتميز حتى في أصعب الظروف.
سمر نصار عملت في صمت، تحملت الانتقادات، وأصرت على البقاء في الميدان دون أن تُسيرها الأهواء أو الحسابات الشخصية. ورغم قلة الدعم، حيث لم يتجاوز ما قُدم لاتحاد كرة القدم في عام 2023 ما يعادل رواتب العاملين في اللجنة الأولمبية الأردنية، إلا أنها شرعت في بناء بنية تحتية للاتحاد، ودفعت بالمنتخب إلى العالمية بلا محترفين كبار، وإنما بأبناء هذا الوطن من عائلات بسيطة مؤمنة بالحلم.
في المقابل، تقف السيدة رنا السعيد (أم صفوان)، الأمين العام للجنة الأولمبية الأردنية، في مرمى الانتقادات بسبب عدد من القرارات التي وُصفت بأنها إقصائية وانتقائية، تهدد بانهيار منظومة الرياضة الأولمبية. ورغم تسجيل إنجاز محدود بميدالية فضية في أولمبياد باريس عبر اللاعب زيد مصطفى، إلا أن هذا الإنجاز يُعد ضئيلًا أمام حجم الأموال التي أُهدرت على سفر وفود اللجنة الأولمبية والإداريين إلى باريس، في وقت كان اللاعبون الحقيقيون يكافحون للحصول على أدنى مقومات الإعداد والمشاركة.
تتردد اتهامات أن الرياضة في عهد أم صفوان أصبحت نخبوية، حكرًا على أبناء القادرين فقط، في حين يُستبعد أبناء الفقراء الذين يمثلون قلب الرياضة الحقيقي. هناك حديث عن أن اتحادات رياضية أصبحت تُدار كامتداد لمصالح شركات خاصة، وأن من يخرج عن “الطاعة” يُقصى، حتى وإن كان صاحب كفاءة.
ولا يُخفى أن انتخابات اللجنة الأولمبية الأخيرة شهدت محاولات لإقصاء ممثل اتحاد كرة القدم، لولا تدخل المسؤولين. ويبدو أن الدعم المالي بات يُسخر لرؤساء الاتحادات وإدارييهم للسفر والمشاركة، بينما يُترك اللاعب البسيط ليبحث عن نفقات مشاركته بنفسه.
اليوم، اللجنة الأولمبية الدولية تفتح ملفًا جديدًا بعد فصل موظف بقرار من أم صفوان، والمحاكم الأردنية تنظر في قضايا أخرى. بينما تترنح بعض الاتحادات، كالمبارزة والريشة الطائرة وألعاب القوى، تحت ضغط القرارات الإدارية المثيرة للجدل، يبرز اتحاد المبارزة كمثال صارخ على ما يمكن أن تؤول إليه الأمور. إذ تشير المعلومات إلى قرب صدور قرار من الاتحاد الدولي قد يؤدي إلى إيقاف نشاط الاتحاد الأردني للمبارزة، وذلك بعد تلقيه شكاوى تتعلق بقضايا تحرش، إضافة إلى مخالفات إدارية وهيكلية. ورغم حساسية هذه الشكاوى، رفضت أم صفوان فتح تحقيق جاد فيها، مكتفية بتعيين لجنة مؤقتة لا علاقة لها بالرياضة، يُنظر إلى دورها كغطاء لإعادة تشكيل الهيئة العامة، ما يُعتبر محاولة مكشوفة لهدر المال العام وتمييع المساءلة.
الواقع الرياضي الأردني يبدو اليوم واقعًا مفصليًا: بين “أم فيصل” التي أوصلتنا إلى العالمية، و”أم صفوان” التي تهدد بعض قراراتها بوقف النشاط الأولمبي الأردني. وبين هذا وذاك، يبقى اللاعب الأردني، ابن الطبقة المكافحة، هو الضحية الأولى.
المرحلة القادمة تتطلب إعادة تقييم شاملة، وتفعيل توجيهات ولي العهد بضرورة أن يقود الرياضة مختصون حقيقيون لا أصحاب نفوذ. فالمواهب كثيرة، والطموحات عالية، ولكنها تحتاج إلى من يصونها لا من يعزلها خلف أبواب القرار المنفرد.
وللمقارنة بقية…