كافة الحقوق محفوظة © 2021.
جمال السلامي… رجل الظل الذي ينجح حين يُكمل البناء
سراب سبورت _
في عالم كرة القدم، تُنسى أحيانًا الأدوار التي لا تتوّج بالألقاب مباشرة، ويغيب عن الذاكرة من يزرع بذور النجاح دون أن يحصدها بنفسه. لكن بعض الأسماء تثبت أن الاستمرارية في البناء، والمضي قدمًا على أساس متين، يمكن أن تكون هي سر النجاح. جمال السلامي، اسم ارتبط مرارًا بمرحلة “ما بعد عموتة”، لكنه في كل مرة، لم يكن مجرد تابع أو مكمّل، بل كان شريكًا غير مباشر في الإنجاز، إذ عرف كيف يُطوّع التركة ويضيف من عنده حتى يصل إلى النتائج.
من الفتح الرباطي… البداية
حين غادر الحسين عموتة نادي الفتح الرباطي سنة 2011، كان الفريق في طور التشكيل، يعيش ديناميكية جديدة بعد تتويجه بكأس الكونفدرالية الإفريقية. فجاء السلامي واستلم المشروع. ورغم أن النادي لم يحقق الألقاب تحت قيادته، إلا أنه كان قريبًا جدًا من الفوز بالبطولة في موسمه الأول، واشتغل على التكوين والتوازن والتكتيك، فخلق جيلاً جديدًا ومتماسكًا من اللاعبين، مهد الطريق لمن أتى بعده.
لم يكن السلامي يتصرف كمدرب طارئ أو كمن يحاول ترك بصمته بسرعة. اشتغل بتأنٍ، بروح المعماري، وكانت الثمار واضحة لاحقًا حين جاء وليد الركراكي ليجد كل شيء جاهزًا، فيضع لمساته الأخيرة ويحصد البطولات. والعارفون بخبايا النادي يدركون تمامًا أن من دون مرحلة السلامي، ما كانت لتأتي نتائج الركراكي.
من الفتح إلى النشامى… قدرٌ يُعيد نفسه
سنوات بعد ذلك، وفي محطة مختلفة تمامًا، يعود القدر ليجمع بين المسارين من جديد: الحسين عموتة ينجح مع منتخب الأردن، يقوده إلى نهائي كأس آسيا ويعيد الأمل للجماهير، لكنه يغادر قبل إتمام المهمة الكبرى… فيأتي جمال السلامي.
كانت التركة ثقيلة، والانتظارات عالية. فالسلامي لا يُطلب منه فقط الحفاظ على الأداء، بل إنجاز ما لم يسبق أن تحقق في تاريخ الكرة الأردنية: التأهل إلى كأس العالم. هدف بدا مستحيلًا في نظر البعض، لكنه تعامل معه بهدوء ومسؤولية، مركزًا على نقطة القوة: أن فريقًا قد بُني فعلاً، وينقصه فقط التوجيه الصحيح والإيمان بالقدرة على الوصول.
السلامي لم يكتفِ بالإرث، بل اجتهد وطور، خاصة على مستوى الانضباط التكتيكي والجاهزية الذهنية. استطاع أن يُخرج أفضل ما في لاعبيه، واستثمر اللحظة التاريخية بأقل هامش من الأخطاء، فكان التأهل إلى مونديال 2026 تتويجًا لمجموعة جهود سابقة، وإنجازًا شخصيًا كبيرًا للمدرب المغربي.
دروس من التجربة
1. استمرارية النجاح لا تقل قيمة عن بدايته
ما فعله عموتة في البداية كان عظيمًا، لكن الحفاظ على مستواه وتطويره هو التحدي الأصعب، وقد نجح السلامي فيه بامتياز.
2. النية الصافية تصنع الفرق
السلامي لم يسعَ لإلغاء ما قام به سلفه، بل احترمه واشتغل عليه. هذه النية – في عالم مليء بالأنانية والصراعات – كانت مفتاح النجاح.
3. النجاح لا يعني البدء من الصفر دائمًا
في كثير من الأحيان، يكون احترام العمل السابق، ومواصلة الطريق بإبداع وذكاء، هو الطريق الأسرع والأذكى لتحقيق الإنجاز.
4. الروح الجماعية هي من تصنع الفارق
من المغرب إلى الأردن، لم ينجح السلامي في مهمة فردية، بل خلق مجموعة منسجمة مؤمنة بهدفها، فكان النجاح جماعيًا.
الختام… تهنئة مستحقة
تأهل النشامى إلى كأس العالم 2026 حدث سيدخل كتب التاريخ الرياضي الأردني من أوسع أبوابه. وهو في الآن ذاته شهادة تقدير غير مباشرة لجيل من المدربين المغاربة الذين صنعوا الفارق خارج الحدود. فمبروك لجمال السلامي على الإنجاز، ومبروك للأردنيين الذين آمنوا بمشروع رياضي جديد، كتب سطوره الأولى عموتة… وختمه السلامي بأحرف من ذهب.