كافة الحقوق محفوظة © 2021.
حين تصمت الميداليات وتصرخ الكرامة.. الأردن ينسحب من مباراة العار
بقلم ..أ.د. زياد ارميلي
أستاذ جامعي – كلية علوم الرياضة – الجامعة الأردنية
في زمن باتت فيه المصالح الرياضية والسياسية تغلّف بذرائع “الحياد” و”الرياضة للجميع”، يثبت الأردن مجددًا أنه وطنٌ لا يساوم على القيم، ولا يساير القتلة، ولا يصافح من تلطّخت أيديهم بدماء الأبرياء.
القرار الجريء الذي اتخذه الاتحاد الأردني لكرة السلة، بالانسحاب من مواجهة منتخب الاحتلال الإسرائيلي في بطولة كأس العالم للشباب المقامة في سويسرا، ليس مجرد موقف رياضي، بل هو موقف وطني وأخلاقي يعبّر عن ضمير الأحرار في هذا العالم.
منذ أكثر من سنة ونصف، والآلة العسكرية الإسرائيلية ترتكب مجازر متواصلة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وخصوصًا في قطاع غزة، حيث دمّرت الأحياء السكنية على رؤوس ساكنيها، وقصفت المستشفيات والمدارس، واستهدفت الأطفال والنساء وكبار السن بلا رحمة، في مشهد يندى له جبين الإنسانية.
آلاف الشهداء، عشرات الآلاف من الجرحى، وملايين المحاصرين في أكبر سجن مفتوح في العالم، هذا هو واقع غزة اليوم تحت نير الاحتلال.
في ظل هذه الجرائم المتواصلة، كان لا بد من موقف مشرّف يذكر العالم بأن الدم الفلسطيني ليس رخيصًا، وبأن الرياضة ليست معزولة عن المبادئ.
لقد عبّر الشعب الأردني مرارًا عن رفضه لكل أشكال التطبيع مع الكيان الغاصب، واليوم يُترجم هذا الرفض إلى فعل ملموس في الميدان الرياضي، ليؤكد أن المشاركة في منافسة مع ممثلي الاحتلال، تحت مظلّة الرياضة، هي خيانة للقضية وتبرئة لقاتل ما زالت يده تقطر دمًا.
قرار الاتحاد الأردني لكرة السلة يعيد الاعتبار للرياضة كمنبر للكرامة، لا ساحة للتطبيع، ويثبت أن هناك دولًا ما زالت ترى في الرياضة جزءًا من معركة الوعي، وليست مجرّد صراع نقاط وألقاب.
إنه قرار يعبّر عن ضمير كل شريف في هذا العالم، وعن نبض الشارع الأردني والعربي والإسلامي، الذي يرى في دعم صمود الشعب الفلسطيني واجبًا لا يحتمل التأجيل أو المساومة.
وإذا كان البعض يظن أن التطبيع مع الاحتلال أمر لا مفر منه، فإن الأردن، بهذا الموقف الشجاع، يثبت العكس، ويؤكد أن الكرامة أغلى من الميداليات، وأن فلسطين، وغزة الجريحة، والقدس الأسيرة، ستظل دائمًا حاضرة في ضمير هذا الوطن الأصيل.
كل التحية لاتحاد كرة السلة الأردني، ولكل مسؤول وقف خلف هذا القرار النبيل، فهكذا تصنع المواقف التي يخلّدها التاريخ، وهكذا يعبّر الأحرار عن رفضهم لمصافحة المجرمين، ولو كان الثمن بطولة عالمية.
فلتسقط الرياضة الملطّخة بدماء الأبرياء.. ولتحيا كرامة الأردن وفلسطين والعرب أجمعين.