كافة الحقوق محفوظة © 2021.
قراءة تكتيكية في فوز الأردن على الإمارات

كتب_أ.د.زياد محمد ارميلي / استاذ جامعي/ كلية علوم الرياضه/ الجامعه الاردنيه.
في كرة القدم الحديثة، لم يعد الاستحواذ على الكرة معياراً كافياً للفوز، بل أصبحت الفعالية، وسرعة التحول، وحسن قراءة التفاصيل الصغيرة هي الفارق الحقيقي بين المنتصر والخاسر. وفي مباراة الأردن والإمارات التي انتهت بفوز النشامى بنتيجة (2–1)، تجلت هذه الفكرة بأوضح صورها الإمارات امتلكت الكرة وفرضت إيقاعاً في فترات طويلة من اللقاء، لكن الأردن امتلك الشراسة، والذكاء، والحسم في المناطق التي تحسم فيها المباريات.
دخل المنتخب الإماراتي اللقاء برغبة واضحة في السيطرة على وسط الميدان، ونجح نسبياً في امتلاك الكرة والتحكم بالإيقاع، إلا أن هذه السيطرة ظلت في معظمها سلبية، تدور بعيداً عن مناطق الخطورة الحقيقية. في المقابل، لعب المنتخب الأردني بتركيز تكتيكي واضح، معتمداً على التوازن بين الانضباط الدفاعي والتحول السريع نحو الأمام، وهو ما أثمر عن أولى ثمار المباراة حين تحصل على ركلة جزاء نفذها بنجاح علي علوان، واضعاً النشامى في المقدمة نفسياً وذهنياً.
بعد الهدف، بدا الأردن أكثر هدوءا ونضجاً في إدارة اللقاء. لم يندفع خلف الاستحواذ، بل ترك للإمارات الكرة في مناطق أقل خطورة، مع تضييق المساحات بين الخطوط، ما أفقد الهجمات الإماراتية فعاليتها. وكان واضحاً أن الجهاز الفني الأردني قرأ المباراة بذكاء السماح بالسيطرة المشروطة، مقابل التحكم بالمساحات واللحظة المناسبة للضغط أو الانقضاض.
وجاءت نقطة التحوّل الحاسمة بطرد لاعب من المنتخب الإماراتي، وهو ما منح الأردن تفوقاً عددياً كان من الممكن أن يترجم إلى حصيلة تهديفية أكبر لو تم استثمار بعض الفرص بشكل أدق. فعليا، ازدادت جرأة النشامى بعد الطرد، واتسعت رقعة تحركاتهم في الثلث الهجومي، وبدأت تظهر الحيوية الكبيرة للنجم يزن النعيمات، الذي شكل كابوساً لدفاع الإمارات بتحركاته الذكية بين الخطوط، وسرعته في التمركز، وقدرته على كسر الرقابة. ويسجل للمنتخب الأماراتي وهو منقوص العدد بتفوقه بنسبة الاستحواذ وتسجيله هدف التعادل وهذا يعكس ضعف الاعداد الذهني للمنتخب الاردني في هذه الحالة واقصد هنا تقدم الاردن بهدف وطرد لاعب اماراتي، فهذا المتغير كان يفترض ان يتم استثماره بالشكل الصحيح.
ولم يتأخر الهدف الثاني كثيراً، حين توج النشاط الكبير ليزن النعيمات بهدف رائع أكد من خلاله أنه عنصر هجومي لا غنى عنه في منظومة الأردن الحالية. هدفه لم يكن مجرد إضافة رقمية على لوحة النتيجة، بل كان خلاصة قراءة مثالية للمساحة، وتطبيقاً نموذجياً لمفهوم المهاجم المفترس او الشرس الذي يعرف أين يقف، ومتى ينقض.
وبعد تقدم الاردن بالنتيجة أظهر المنتخب الأردني نضجاً ذهنياً لافتا في الدقائق المتبقية. حافظ على تنظيمه، وأغلق المساحات بذكاء، وقدم درسا واضحا في كيفية إدارة الوقت والنتيجة أمام منتخب يملك المهارة، لكن يفتقد اليوم إلى الفعالية في اللمسة الأخيرة.
فنياً، يمكن تلخيص تفوق الأردن في ثلاثة عناصر رئيسية:
أولًا: الانضباط التكتيكي العالي في الخطوط الثلاثة، خصوصًا في الشق الدفاعي وربط الخطوط.
ثانيا: الجودة في الانتقال السريع من الدفاع إلى الهجوم، واستغلال أخطاء الخصم وتفوق العدد بعد الطرد.
ثالثًا: الروح القتالية والتركيز الذهني بعد تسجيل الهدف الثاني الذي لم يكن موجود بعد تسجيل الهدف الاول حتى اللحظات الأخيرة، وهو ما يصنع الفارق في البطولات الكبرى.
أما يزن النعيمات، فقد أثبت أنه ليس مجرد هداف، بل لاعب متكامل في المنظومة الهجومية الأردنية. تحركاته المستمرة أربكت الدفاع، فتحت المساحات لزملائه، ومنحت المنتخب بعداً هجوميا إضافيا كان واضح الأثر طوال الشوط الثاني.
في المحصلة، لم تكن مباراة اليوم مجرد ثلاث نقاط في جدول الترتيب، بل كانت رسالة قوية من منتخب الأردن لكل المنافسين: يمكنك أن تملك الكرة، لكن الأردن يملك القرار، ويملك القدرة على تحويل نصف فرصة إلى هدف، والسيطرة إلى وهم لا يُترجم على لوحة النتائج.
هكذا يكتب الفوز الكبير ليس بعدد التمريرات، بل بعدد اللحظات الحاسمة التي تستثمر بذكاء.
