كافة الحقوق محفوظة © 2021.
بين لعنة الأبطال وحلم النشامى… قراءة في مجموعة الأردن مع الأرجنتين والنمسا والجزائر في مونديال 2026
كتب_د. زياد محمد ارميلي/ أستاذ جامعي/ كلية علوم الرياضة/ الجامعة الأردنية
منذ أن وضعت قرعة كأس العالم 2026 منتخب الأردن في مجموعة واحدة مع الأرجنتين بطلة العالم، والنمسا ذات الحضور الأوروبي القوي، والجزائر المنتخب العربي القوي بدأ الشارع الرياضي الأردني يعيش حالة مزيج بين الحماسة والإيمان، وبين الواقعية والتطلع إلى ما وراء المألوف. فالمهمة بلا شك تبدو صعبة، لكنها ليست مستحيلة والأردن في كرة القدم علمنا أن ما يبدو بعيدا يمكن أن يصبح أقرب مما نعتقد عندما يرتدي النشامى قمصان الوطن.
ومن الظواهر المثيرة التي ترافق الحديث عن هذه المجموعة، ما يعرف بـ“لعنة البطل”، وهي سلسلة من المفاجآت التي تكررت بشكل لافت منذ عام 1998، عندما خرجت أربعة منتخبات حاملة للقب من دور المجموعات في البطولة التالية: فرنسا 2002، وإيطاليا 2010، وإسبانيا 2014، وألمانيا 2018. ورغم صعوبة تفسير هذه الظاهرة، إلا أن الثابت هو أن حامل اللقب ليس محصناً من السقوط، وأن كرة القدم لعبة لا تخضع للتاريخ أو الأسماء الكبيرة، بل للحظة، ولمن يملك الجرأة داخل الملعب. ومع أن أحدا لا يستطيع التنبؤ بما قد يحدث أمام الأرجنتين، إلا أن الأردن يدخل هذه المجموعة وهو في أعلى درجات الجاهزية منذ سنوات طويلة.
ويأتي هذا الشعور بالثقة من الأداء العالمي الذي يقدمه المنتخب الأردني حاليا في بطولة كأس العرب الجارية في قطر. فقد ظهر النشامى بصورة رائعة، وقدموا كرة قدم حديثة وسريعة ومنظمة، وحققوا العلامة الكاملة بعد الفوز على الإمارات والكويت ومصر. هذه الانتصارات لم تكن عابرة ولا مجرد نتائج إيجابية، بل كانت رسائل واضحة بأن الأردن يمتلك جيلًا قادرًا على المنافسة إقليميا وعالميا، وأن الفريق أصبح أكثر نضجا وتركيزا وقدرة على التعامل مع الضغط. لقد أظهر اللاعبون روحا قتالية وانضباطا تكتيكيا، وتحولوا في المباريات بين الدفاع والهجوم بمرونة وذكاء، وقدموا نموذجًا لفريق يعرف ما يريد داخل الملعب.
ومع أن مواجهة الأرجنتين تبقى “امتحان العمر”، وأن مواجهة النمسا المتماسكة ليست سهلة، إلا أن كرة القدم لا تعترف بالشعور المسبق بالخسارة، ولا بالمهابة من الخصوم. التاريخ مليء بالمنتخبات الصغيرة التي صعقت الكبار لأنها آمنت بقدرتها على القتال حتى اللحظة الأخيرة. والسعودية نفسها قبل سنوات قليلة هزمت الأرجنتين في افتتاح مونديال 2022، رغم كل الفوارق، لتثبت أن المستحيل مجرد رأي.
اليوم، يدخل النشامى المونديال بميزة مهمة: أنهم لا يحملون ضغط الترشيحات، بينما يملكون في المقابل أداءً تصاعديًا وجرأة كبيرة، بالإضافة إلى رتم لعب مرتفع اكتسبوه من بطولة العرب في قطر. اللاعبون يلعبون لأجل الشعار، لأجل الوطن، وأظهروا أن لديهم شخصية فريق قادر على المواجهة في أصعب الظروف.
وبين “لعنة البطل” التي أطاحت بكبار العالم، والمستوى الأردني العالمي في قطر، تبدو الفرصة قائمة أمام الأردن لصناعة لحظة تاريخية قد تُفاجئ العالم. الطريق ليس سهلاً، لكن التاريخ لا يصنع من الطرق السهلة، بل من أولئك الذين يوسّعون حدود الممكن ويواجهون الكبار بلا تردد.
وفي عالم تتغير فيه المعادلات في لحظة، وتتكاثر فيه المفاجآت بلا مقدمات، يبقى السؤال مشروعاً: لماذا لا تكون المفاجأة القادمة أردنية خالصة؟
