كافة الحقوق محفوظة © 2021.
غياب المصداقية في تصريحات عموتة وحقيقة المواقف التي لا تتبدل
كتب …أ.د.زياد محمد ارميلي/ استاذ جامعي/كلية علوم الرياضة/ الجامعة الأردنية.

من باب الإنصاف وحرصاً على توضيح الحقيقة كما هي، بعيداً عن المبالغات والبطولات الوهمية، بات من الضروري إعادة قراءة تصريحات المدرب السابق للمنتخب الوطني الحسين عموتة بعيون أكثر واقعية ومسؤولية. فعند خروجه من المنتخب، صرح الرجل بوضوح أن سبب رحيله يعود لظروف عائلية قاهرة، وأن زوجته مريضة ويحتاج للعودة إلى المغرب. هذا كلام موثق في تصريحاته الرسمية يومها، ولا يحتمل التأويل. لكن ما يثير الاستغراب اليوم هو ظهوره في بودكاست قناة الكأس ليتحدث عن “عدم الاحترافية” و”حملات إعلامية” كأسباب مباشرة لرحيله. هذا التناقض الصارخ يفقد التصريحات الجديدة جزءا كبيراً من مصداقيتها، ويطرح سؤالًا منطقيًا: لماذا تغير السبب بعد توقيع عقد ضخم بأضعاف ما كان يتقاضاه في الأردن؟
الواقع أن هذه التحولات في السردية تمنح انطباعاً بأن عموتة يحاول إلقاء اللوم على الآخرين بعد أن تغيّرت ظروفه المهنية، وهو أمر لا يليق بشخص يفترض أنه يمثل أعلى مستويات الاحتراف. المواقف لا تتبدل بتبدل العقود، والكلمة عند الرجال هي العنوان الحقيقي لأي إنجاز أو إخفاق.
أما إنجاز الوصافة الآسيوية الذي يستحضر كلما ذكر اسم عموتة، فهو إنجاز يحترم بلا شك، لكنه لم يكن يوماً نتيجة عمل فرد واحد. فالمنظومة بكاملها لاعبون في ذروة مستواهم، جهاز إداري منظم، ودعم جماهيري كبير هي التي صنعت ذلك المشهد. وخلافاً لما يروّج اليوم، لم يحاول أحد التقليل من الإنجاز، بل على العكس، هناك من يحاول تضخيم دور المدرب بعد رحيله أكثر مما يحتمل الواقع.
المقارنة التي يجري جرً الجمهور إليها بين عموتة والمدرب جمال السلامي ليست عادلة من الأساس. السلامي أثبت حتى الآن أنه مدرب هادئ، محترم، خلوق، يعمل بصمت، ولا يهاجم إعلامًا ولا جمهورًا ولا اتحادًا. تركيزه داخل الملعب، وانضباطه خارج الملعب، ونتائجه الحالية مع المنتخب الأردني تتحدث عنه. وربما هذا النجاح هو ما أثار غيرة عموتة، خصوصاً مع المستوى المتصاعد للمنتخب تحت قيادة السلامي، ما جعل أي محاولة للتقليل من الواقع تبدو كدفاع متأخر عن مرحلة مضت وانتهت.
نعم، من واجب اتحاد الكرة حماية أي مدرب من الفوضى الإعلامية، لكن من واجبه أيضا التمييز بين النقد الموضوعي وبين خلق خصومات وهمية. فليس كل رأي مخالف مؤامرة، ولا كل تساؤل تشويهاً للإنجاز. كرة القدم الأردنية تتقدم بالحوار الناضج، لا عبر إعادة تدوير الأعذار.
وبين مدرب يغيّر أقواله بعد حصوله على عقد ضخم، ومدرب يعمل بصمت ويضع بصمته في كل مباراة، تظهر لنا الحقيقة ببساطة: الرجال مواقف، وكلمة صادقة واحدة أصدق من ألف تصريح متناقض. ومن يبدّل روايته اليوم بعد أن غادر، يفقد الكثير مما يمكن احترامه. أما من يصنع الإنجاز بالفعل، فليس بحاجة للدفاع عن نفسه.
